من الواضح أن المشاورات حول تشكيل الحكومة قد توقفت بشكل كامل، وأن جميع المعنيين توافقوا بشكل ضمني على أن تستأنف مطلع العام الجديد، بعدما فشلت كل المواعيد التي ضربت للبنانيين حول ولادة حكومتهم العتيدة من عيد الفطر الى عيد الجيش فعيد الأضحى، الى عيد الاستقلال وعيدي الميلاد ورأس السنة، حيث في كل موعد من تلك المواعيد كان اللبنانيون يصابون بخيبة أمل كبيرة الى أن عمّ اليأس، وأرتضى الجميع تأجيل البحث الى العام الجديد علّهم يجدون الوصفة السحرية للخروج من أزمة الفراغ التي ترخي بثقلها على البلاد والعباد وتهدد مصيرهم إقتصاديا وأمنيا.
يمكن القول أن العقد الحكومية كثيرة جدا، لكن مفتاح الحل يكمن في واحدة فقط، وهي الثلث الضامن أو المعطل للتيار الوطني الحر بحصوله على11 وزيرا مع حصة رئيس الجمهورية، وما دون ذلك هدر للوقت وتمديد للفراغ، حيث في كل مرة كانت تصل فيها ″لقمة الحكومة الى فم اللبنانيين″ كانت هذه العقدة المخفية التي تتعاطى معها التيارات السياسية المعنية بكثير من المجاملات تبعدها، ولعل أكبر دليل على ذلك الالتفاف على مبادرة رئيس الجمهورية الأخيرة ومحاولة مصادرة جواد عدرة من اللقاء التشاوري لمصلحة تيار ″لبنان القوي″.
يبدو واضحا أن الوزير جبران باسيل لن يقتنع حتى الآن بعدم إمكانية حصوله على الثلث المعطل، لذلك فإنه ما يزال يصول ويجول ويحاور ويناور ويخرج من الباب ثم يعود من النافذة وبالعكس، بحثا عن هذا الثلث الذي يعني له أمورا كثيرة سواء في مستقبله السياسي أو في حضوره ضمن الحكومة، في حين تعارضه كل التيارات السياسية بدون إستثناء.
لا يختلف إثنان على أن باسيل يخوض منذ الآن معركة خلافة عمه العماد ميشال عون في رئاسة الجمهورية، لذلك فإنه يتطلع الى أن يكون شريكا حقيقيا في الحكومة يشارك الرئيس سعد الحريري بالقرارات ويكون بمثابة رئيس ظل، بالرغم من الضرر الذي يمكن أن يلحقه ذلك بصلاحيات وحضور الرئيس الحريري الذي ستكون حكومته وقراراتها وإنعقادها ونصابها في يد جبران باسيل إذا ما وافق على ذلك.
يدرك باسيل أن هذه الحكومة من المفترض أن تستمر طيلة فترة العهد وصولا الى إمكانية إدارتها البلاد في حال إنتهاء ولاية الرئيس عون أو حصول أي أمر طارئ آخر، وبالتالي لا يستطيع باسيل أن يجد نفسه في الحكومة من دون أية سلطة علما أن تحالفه مع رئيس الحكومة يجعل الأكثرية المطلقة ملكا لهما لكن ذلك بنظر رئيس تيار ″لبنان القوي″ لا يكفي.
تشير المعطيات الى أن باسيل يجد أنه إذا لم يحصل على الثلث المعطل سيفقد حضوره في الحكومة بالرغم من وجود عشرة وزراء له ولرئيس الجمهورية، حيث أن رئيس الحكومة يمكن أن يعطلها في أي لحظة، وأن إستقالته تؤدي حكما الى إستقالتها، كما أن تناغم الحريري مع الثنائي الشيعي والتوافق بينهما يمنحهما الثلث المعطل، وكذلك بالنسبة للثنائي الشيعي فهو قادر على التعطيل في حال إنسحب من الحكومة التي تصبح حكومة تفتقر الى الميثاقية، وطبعا لا أحد يحتمل أن يحكم من دون الثنائي الشيعي.
أما جبران باسيل فيرى أن عشرة وزراء له ولرئيس الجمهورية ربما يكونوا قادرين على التأثير ضمن الحكومة على صعيد التصويت وترجيح كفة فريق على آخر، لكنهم لا يملكون أي إمكانية للتعطيل أو للضغط على رئيس الحكومة في حال تغيرت المعطيات أو الظروف السياسية، وكذلك في حال أراد باسيل الخروج من الحكومة كوزراء مسيحيين فإن ذلك لا يلغي الميثاقية بوجود وزراء القوات اللبنانية والمردة.
أمام هذا الواقع يرى متابعون أن الحكومة لن تتشكل إلا بإيجاد حل لـ”العقدة الباسيلية” التي هي بمثابة أم العقد، وما دون ذلك كله تفاصيل.