أجلس القرفصاء على أقدام سنة 2018 المغادرة.
اجلس كالمهزوم.
مهزوم بعلمانيتي، مهزوم بلاعنفيتي، مهزوم بيساريتي، مهزوم بأمميتي، مهزوم بعروبتي، ومهزوم بلبنانيتي.
مهزوم أنا بكل أوجه انسانيتي.
***
أتمسك بأقدام السنة المغادرة، وأرجوها الاّ تغادر.
لا. لست مازوشياً.
أعرف ان سنة 2018 كانت من أسوأ السنوات التي مرت، وخصوصاً على شعبي.
إنها سنة تَمَظْهر الانحطاط المتراكم عبر السنين؛ الانحطاط الأخلاقي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والوطني.
يعلّمنا التاريخ أن سنوات الانحطاط طويلة، وأنها تسير من سيئ إلى أسوأ.
لا شيء في واقعنا اللبناني يدعو إلى التفاؤل، لا من ناحية الحكّام ولا من ناحية الشعب. لا على المستوى الداخلي ولا على المستوى الخارجي.
الشعور العام كما التحليلات الموضوعية، تتوقع ان تكون سنة 2019 أسوأ من التي سبقتها بالنسبة إلى لبنان.
لذلك أجدني أسارع وأجلس على أقدام سنة 2018 وأرجوها ألاّ تغادر.
***
لكن سنة 2018 لا تستطيع البقاء أكثر. لا خيار لها في ذلك.
فبنو البشر حدّدوا لها وقتاً للرحيل وها هم قد بدأوا بالتحضير لوداعها.
هم يحددون عدد ايامها، وهم يصنعون أحداثها، لكنهم يحمّلونها في النهاية وزر أعمالهم.
حسناً، فلتغادر سنة 2018.
لن أقف في وجهها. لا أريد أن اعيش خارج الزمن، حتى ولو كان مصطنعاً. تكفيني غربة المكان.
سأنهض وأبتعد عن الأقدام وأقف خلف السنة المغادرة.
ربما أستطيع وأنا أنظر إليها من الخلف، ملاحظة أشياء لم أكن أراها وأنا في مواجهتها.
ربما كانت تخبئ شيئاً خلف ظهرها لا يمكن رؤيته إلاّ وهي مغادِرة.
ربما يصحّ ما يكرّره الباحثون، إننا نحتاج الى بعض المسافة المكانية والزمنية مع الحدث حتى نستطيع فهمه وتحليله.
***
الدرس الأهمّ الذي تعلّمتُهُ من الربيع العربي، وعلى عكس ما يحصل في المجتمعات الديموقراطية، هو صعوبة لا بل استحالة تلمس اتجاهات البشر وإمكاناتهم وطاقاتهم بشكل دقيق في المجتمعات القمعية والتقليدية.
الانتفاضات الشعبية التي حصلت، لم تتوقعها لا الأبحاث ولا الصحف.
أحب أن أفترض أن في بلدي طاقات وإمكانات للتغيير لم تعبّر عن نفسها بعد.
أريد أن أصدّق أن الإنسان اللبناني كما الإنسان العربي كما الإنسان في أي مكان، توّاق الى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
أقول لنفسي إن التغيير ممكن:
في كل مرة نكتشف في الأحلام رغباتنا المكبوتة.
في كل مرة نختبر طاقات وقدرات جديدة في عزّ التعب والضعف.
في كل مرة نغضب غضباً شديدا حيث لا يجوز الغضب.
في كل مرة نواجه خطراً داهماً بطريقة لم نعهدها من قبل.
في كل مرة يُضرِب عمّال.
في كل مرة يتظاهر شبان وشابات.
في كل مرة يقاطع مواطنون انتخابات غير ديموقراطية.
في كل مرة يبدّل مرض من قناعاتنا.
في كل مرة يرفع لقاءٌ من معنوياتنا.
في كل مرة يحوّل حبٌّ مسار حياتنا.
في كل مرة أقرأ لمنى وعقل وحازم.
في كل مرة أتناقش مع هاني وبول وآمال وأحمد وجورج.
في كل مرة أتابع تحركات وداد وسيلفانا.
في كل مرة أكتب أو أدرّب أو أشارك في تحرك.
***
يعتبر أحد المفكرين الكبار أن الانسان يمكنه أن يعتمد واحداً من المسالك الثلاثة للخروج من "وحدته الوجودية" في هذا العالم.
إما التأقلم مع الواقع كما هو والانسياق وراء "القطيع" الذي ينتمي إليه.
إما اللجوء إلى الملذات الصغيرة.
وإما سلوك طريق المحبة التي يمكن أن تشمل الحبيب والأهل والآخر والله.
لن أختار بين المسالك الثلاثة وأنا على مشارف السنة الجديدة.
لن ألتحق بالقطيع لكني سأحاول التأقلم بعض الشيء.
لن أستسلم كلياً للملذات لكني سأتذوق بعضها بين وقت وآخر.
لن أدّعي اعتناق المحبة منهج حياة، لكني سأفتح لها الطريق في قلبي ما استطعت.
وفي ليلة رأس السنة سأرقص.
فالرقص يجمع بفرح بين المسالك الثلاثة.
ففي الرقص شيء من التأقلم، لكنّ فيه أيضاً مزيجاً من اللذة والمحبة.
في استعادة لما قلته في نهاية السنة الماضية، سأرقص ليلة رأس السنة ولو "على حبال الهوى".