جاءت تغريدة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الخميس الماضي التي أعلن من خلالها استقالة وزير دفاعه الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس نهاية فبراير (شباط) المقبل لبقة ومحترمة. وسيكون من السهل تبرير هذه الاستقالة على أنها اختلاف في الرؤى السياسية، فقد تجاهل الرئيس ترمب وزير دفاعه ومضى في خطته المتسرعة لسحب القوات الأميركية من سوريا، ويبدو أن ترمب مقبل على الإجراء نفسه في أفغانستان.
لكن هذا لا يصف ما جرى في الواقع، ولتعرف الحقيقة ما عليك إلا قراءة استقالة الجنرال المتقاعد، حيث ذكر ماتيس في رسالته أنه يفكر فيما هو أكبر من السياسة إزاء سوريا.
وإليكم بعض العبارات المنقولة نصاً في خطاب الاستقالة: «إن قوتنا كدولة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقوة وشمولية نظام تحالفاتنا وشراكاتنا... وعلينا أن نبذل كل ما بوسعنا في سبيل تفعيل نظام عالمي يدعم أمننا ورخاءنا وقيمنا. وما يعزز ذلك هو تضامن حلفائنا». استطرد ماتيس في رسالة استقالته بالقول: «ينبغي أن نكون حاسمين وواضحين في توجهنا لهذه الدول».
ثم يتطرق ماتيس إلى النقطة الحاسمة عندما يقول: «ولأنه يحق لك أن يكون لديك وزير دفاع ذو آراء تتفق آراؤه مع آرائك بشكل أفضل في هذه الأمور وفي غيرها، أرى أنه من الأفضل لي أن أتنحى عن منصبي».
الإيحاء الضمني هنا هو أن ماتيس لم يعد يعتقد أن الرئيس ترمب يرى أهمية لاحترام رؤية الحلفاء. فقد تقدم ماتيس باستقالته لأنه لا يرى أن الرئيس الأميركي يتفق معه في أن الولايات المتحدة يجب أن تعمل في سبيل الحفاظ على نظام ليبرالي عالمي، وأن ترمب ليس حاسماً وليس واضحاً مع خصوم الولايات المتحدة بالصورة التي يريدها ماتيس.
بكلمات أخرى، الأمر لا يتعلق بالسياسة، بل بالقيم. فبحسب الخطاب، لم يعد ماتيس يرى أن الرئيس يتفق معه في المبادئ والقيم نفسها، وفي ذلك معانٍ عملية. فقد شعر غالبية أعضاء مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري، خلال غداء عمل سياسي مؤخراً مع نائب الرئيس مايك بنس، بالغضب من الطريقة التي اتخذ بها ترمب القرار بشأن سوريا. وعلينا أن نتوقع أن يزداد التمرد سخونة بين أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري خلال الأيام المقبلة مع تعرض حلفاء الولايات المتحدة الأكراد لهجوم ضارٍ من الأتراك.
كان بإمكان ترمب أن يستغل ماتيس لجمع أعضاء مجلس الشيوخ حول طريقة تفكيره بشأن سوريا، وهو ما لم يعد متاحاً الآن. ربما لا يزال يشعر أنصار الرئيس برباطة الجأش أو حتى بالثقة. لكن الرئيس «حرق» حتى الآن اثنين من رؤساء طاقم العاملين في البيت الأبيض، واثنين من مستشاري الأمن القومي، ووزير خارجية، ونائباً عاماً في أقل من عامين، ولا يزال هو في مكانه.
لكن استقالة ماتيس تحديداً تختلف عن غيرها. فكما كتبت منذ شهرين، فقد كان ماتيس يمثل الدرع القوية بالنسبة للرئيس ترمب. وأياً كان رأيك في أسلوب تفكيره، فقد كان ماتيس مثالاً للفضائل العسكرية وللتفاني في الخدمة العامة. بل طوال الفترة الماضية، كان أعضاء الحزب الجمهوري الكارهين لترمب يشيرون إلى البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) بالقول، إذا كان ماتيس يؤيد ترمب فنحن كذلك، لكن ذلك لم يعد متاحاً.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»