الخلاف الذي خرج إلى الضوء والعلن بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» ليس وليد ساعته، وقد لا تكون مقدماته بدأت مع كلام رئيس الجمهورية في ذكرى انتخابه عندما رفض الاعتراف بـ«اللقاء التشاوري» واتهم الحزب بتَبدية «التكتكة السياسية التي تضرب الاستراتيجية الكبيرة»، ولا مع إعلان عون من بكركي انّ «البعض يخلق تقاليد جديدة في تأليف الحكومة لم نألفها سابقاً ونحتاج لبعض الوقت لإيجاد الحلول لها»، بل تعود مقدمات الخلاف، على الأرجح، إلى التجربة الحكومية الأخيرة التي أدّت إلى تراجع عامل الثقة بين الطرفين والذي توسّع وصولاً إلى الآن.
وقد يكون من الصعوبة الخروج بخلاصات واضحة حول أسباب الخلاف الراهنة، ولكن ما هو ظاهر وغير أكيد في الوقت نفسه أنّ رئيس الجمهورية يريد 11 وزيراً و«حزب الله» يقف له بالمرصاد، ما يعني انّ مسرح المعركة هو «الثلث المعطّل» وفريقي المواجهة هما الحزب و«التيار الوطني الحر».
وما هو غير مفهوم بالتمام والكمال يكمن في الآتي: لماذا يسعى الوزير جبران باسيل إلى «الثلث المعطل» وما هي فائدته العملية في ظل بنود يتم إمرارها توافقياً؟ ولماذا يتصدى «حزب الله» لهذا الثلث ومنع باسيل من انتزاعه؟ وهل الأزمة القائمة التي تحول دون تأليف الحكومة هي فعلاً أزمة ثلث معطل؟ وهل عنوان المواجهة هو منع عون من انتزاع «الثلث المعطل» أم منعه والحريري من انتزاع النصف زائداً واحداً؟ وهل الحريري أساساً مع ان ينتزع باسيل «الثلث المعطل»، ولكنه لا يريد الدخول معه في معركة يخوضها عنه «الحزب»؟ وهل «حزب الله» هاوٍ في السياسة لتمر عليه تخريجة السيد جواد عدرا ليعود ويتراجع عن تبنّيه في اللحظات الأخيرة؟ وألم يكن الحلّ الذي كاد يُنجب الحكومة يرتكز على تنازل رئيس الجمهورية عن المقعد السني من حصته لمصلحة «اللقاء التشاوري»؟ وماذا عدا ممّا بَدا ليتحول ممثل التشاوري عضواً في «لبنان القوي»؟ ومن أوحى للوزير باسيل انّ بإمكانه الإطاحة بـ«التشاوري» من خلال ضَم مرشحه الوزاري إلى صفوفه؟ وهل فعلاً انتهت، بالنسبة إلى «حزب الله»، صلاحية هذا اللقاء؟ وفي حال كان الخلاف بين «الحزب» و«التيار الوطني الحر» لماذا قاطع الرئيس المكلف «الريسيتال» الميلادي في بعبدا والاتصالات بينه وبين رئيس الجمهورية شبه متوقفة؟ وما هي الأسباب التي دفعت باسيل إلى إعادة النظر في الحقائب الوزارية وافتعال عقدة كانت في عِداد العقد المحلولة؟ وهل انّ ما يحصل هو حراك في الوقت الضائع وهدفه توفير التغطية المحلية للعقدة الخارجية؟ وهل العقدة القائمة هي حكومية في الشكل ورئاسية في المضمون والجوهر؟
فما تقدّم هو جزء من تساؤلات كثيرة لا أجوبة واضحة وحاسمة عليها بعد، ولكن السؤال الأساس الذي تتردد أصداؤه لدى أكثر من جهة سياسية ومتابعة هو الآتي: من يتراجع أولاً: الرئيس عون أم «حزب الله»؟ فهل يتراجع الحزب أمام إصرار عون على «الثلث المعطل»، أم يتراجع عون ويسلِّم بموقف الحزب الرافض إهداء المقعد الحادي عشر لرئيس الجمهورية؟
فإذا تراجع رئيس الجمهورية يكون «حزب الله» سجّل للمرة الأولى نقطة على حليفه الذي دعمه بلا مقابل منذ العام 2006، والنقطة هذه المرة على رئيس الجمهورية وليس على عون كرئيس لـ«التيار الوطني الحر»، وإذا تراجع الحزب يكون نجح عون في لَي ذراعه في كباش محلي لا صواريخ فيه ولا سلاح باستثناء سلاح الموقف الذي يراهن عليه المقربون من عون من خلال 3 أوراق قوة يتكئون عليها:
ـ الورقة الأولى حاجة «حزب الله» الى غطاء أرفع موقع دستوري في الدولة لدوره، وأثبت عون أنه في المحطات المفصلية لم يبخل على الحزب بهذا الغطاء، فيما لا مصلحة له بفقدانه في مرحلة إقليمية عنوانها تحجيم الدور الإيراني أميركياً.
ـ الورقة الثانية حاجة «حزب الله» الى غطاء «التيار الوطني الحر» مسيحياً، ولا مصلحة له بفقدان حليف مسيحي قوي في ظل غياب البديل أو البدائل، والقواعد السنية التي يمثلها «التشاوري» تدور في فلك خياراته أساساً، والمقايضة غير مطروحة ويرفضها فريق رئيس الجمهورية في المطلق على قاعدة انّ وضع «التيار الوطني الحر» و «اللقاء التشاروي» في ميزان واحد لا يجوز، وخسارته قواعد التيار لا تعوّض، و«البروفا» التي حصلت على مواقع التواصل هي مقدمة لِما يمكن أن تفضي إليه الأمور.
ـ الورقة الثالثة حاجة «حزب الله» الى رئيس جمهورية يكون حليفاً في الخيارات الاستراتيجية في ظل رئيس حكومة خصم في هذه الخيارات، فيما لا مصلحة له إطلاقاً في توحيد رئيسي الجمهورية والحكومة ضده، خصوصاً انّ المعادلة التي سعى إليها أساساً كانت بانتخاب رئيس جمهورية من 8 آذار مقابل رئيس حكومة من 14 آذار.
ويحاول فريق رئيس الجمهورية أن يُمسك «حزب الله» من ذراعه التي تؤلمه، وتحديداً في هذه اللحظة التي توحي وكأنه يعاد فيها هندسة المنطقة من جديد، ولكن في مقابل كل ذلك يريد عون ان ينتزع من «حزب الله» إقراراً بانتخاب باسيل خلفاً له مع تعهُّد بمواصلة السياسة نفسها، ولكن هذا الموضوع غير مطروح بالنسبة الى الحزب حالياً، وهو ليس في وارد إعطاء اي تعهدات أو التزامات من قبيل تكرار الالتزام بعون، إنما سيخضع هذا الملف للدرس بناء على معطيات المرحلة وظروفها، ولن يقفل الباب على رغم غياب عامل الثقة مع باسيل، لأنّ إقفال الباب سيدفع باسيل، في نظره، إلى المحور الآخر، فيما يدرك رئيس «التيار» انّ وصوله إلى بعبدا غير ممكن من موقع العداء مع الحزب.
وفي نهاية المطاف الحاجة بين عون والحزب متبادلة، وشد الحبال بينهما سيبقى ضمن حدود الكباش السياسي تحت سقف تفاهمهما الاستراتيجي الذي يريد «التيار الوطني الحر» من خلاله الاستحواذ على السلطة، فيما يريد «حزب الله» الحفاظ على الغطاء المسيحي واستطراداً الرئاسي لدوره وسلاحه.
ولكن هل سيتمكن «حزب الله» من الوصول إلى تسوية على قاعدة «لا يموت الديب ولا يفنى الغنم»، بمعنى التوفيق بين إرضاء عون وإشراك «اللقاء التشاوري» الذي يعتبره من ضمن أهدافه الاستراتيجية؟ قد يصعب التوفيق، ولا بد من أن يفضي الكباش بين عون و«الحزب» إلى تراجع أحدهما...