من المُبكر لأوانه الحكم على أسباب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب في غضون شهرين أو ثلاثة من سوريا، وفقاً لمصادر ديبلوماسية بارزة. وهناك احتمالان يقفا وراء هذا القرار، هما: الأول، أن يأتي القرار في سياق مشروع حل كبير لأزمة الشرق الأوسط. يتم العمل لطرح الأفكار حوله في شهر كانون الثاني المقبل. وقد المحت الإدارة الأميركية في الاونة الأخيرة، أنها مهتمة للحل في المنطقة، وقد تتضح معالم الخطة في هذا الشأن خلال مدة قريبة، وهو الأمر الذي سيبلور الوضع في المنطقة وعلى أساسه سيتحدد مصير الملفات العديدة المفتوحة.
والثاني: أن هذا الموقف يأتي في إطار المفاوضات الأميركية - الروسية والتي تقع في سياق التحضير للقمّة بين الطرفين في السنة المقبلة. لكن هذه المفاوضات، يحتمل أن تكون انتجت حتى الآن ما حتّم إتخاذ الرئيس الأميركي هذا القرار. لكن قرار الانسحاب لن يكون من دون ثمن. وهذا الثمن مرتبط بإيران وبالتفاهم على إنسحابها من سوريا مع حليفها "حزب الله". ولعل هذا الإحتمال الأكثر واقعية، لا سيما وإن وزير الخارجية الروسي سيرغي لاڨروڨ قال اثر القرار الأميركي، أن ذلك يخلق فرصاً للتسوية في سوريا. مع الإشارة، إلى أنه في السابق جرى إقناع ترامب بعدم الإنسحاب من سوريا، لكنه الآن إتخذ القرار.
ولفتت المصادر إلى أنه قبل مدة إجتمع ترامب مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكان الموقف التركي عدم وجود ممانعة لأن يقوم الأميركيون بما يرونه مناسباً في سوريا. مع أن هناك أخذاً وردّاً في العديد من المسائل العالقة بين الطرفين. والإصرار التركي على البدء بعملية عسكرية في سوريا، اثّر على القرار الأميركي، الذي يأتي في إطار المفاوضات الأميركية - الروسية.
وتداعيات القرار ليست بعيدة عن التصعيد الإسرائيلي بالنسبة إلى "حزب الله" والذي تجلى من خلال قضية الأنفاق، على الرغم من أن لا قرار أميركياً بالسماح لإسرائيل تخطي الإستقرار القائم في الجنوب. مع الإشارة إلى أن إسرائيل لم تعد، بحسب المصادر، تفرّق بين الوجود الإيراني ووجود الحزب في سوريا، ووجود الحزب في لبنان ودوره العسكري والأمني ضدها، والأخطار التي يحملها بالنسبة إليها. وبالتالي، فإن أية تسوية ستوضع في المستقبل القريب ستأخذ في الإعتبار مصير النفوذ الإيراني وحلفاء إيران.
وفي إنتظار هذه المرحلة، هناك توافق دولي على إبقاء الوضع اللبناني مستقراً وهادئاً، إن بالنسبة إلى الحدود الجنوبية أو بالنسبة إلى الداخل. لذلك جرى التشديد خلال الأيام الماضية أميركياً وفرنسياً على أهمية تشكيل الحكومة. وفي حين تستبعد المصادر أن يكون هناك إرتباط بين التشكيل والمسار الحالي لملفات المنطقة، تؤكد أن المسألة داخلية بحتة، ذلك أن ضغوطاً إقتصادية يجب ان تساهم في الأمر، وأن كل الأفرقاء لديها مصلحة بتشكيل الحكومة. اذا ما حصل التشكيل مضافاً إلى مفاعيل مؤتمر "سيدر"، فسيعطيان جرعة إنقاذ للإقتصاد تمتد لنحو ثلاث سنوات، ثم ما يساهم في ضرورة التشكيل الضغوط التي يواجهها لبنان على المستوى الإسرائيلي.
أما بالنسبة إلى سوريا، فإنه يتوقع مع تسلم الموفد الدولي للأمم المتحدة الجديد لحل الأزمة السورية غي بيدرسون أن تنتعش الإتصالات الخاصة في شأن تشكيل اللجنة الدستورية. وتفاصيل الموضوع سيرتكز إلى الإتفاق الأميركي - الروسي، وإلى الضغط الروسي على النظام للخروج بلجنة تتناسب ووثيقة جنيف، وموقف الغرب من مستقبل الوضع السوري، وهو الذي يربط إعادة اعمار سوريا بالحل السياسي.
لا شك أن القمة الأميركية - الروسية التي تجري التحضيرات لانعقادها، ستتوج أية اتفاقات تحصل من خلال المفاوضات غير المعلنة. والتنسيق لا يزال قائماً بين الطرفين، على الرغم من التصاريح ومن إعتبار موسكو أن واشنطن غير واضحة في قرار الإنسحاب. لا يزال هناك المزيد من الوقت لاتضاح صورة المرحلة المقبلة، والتموضعات التي ستحصل في المنطقة.