توقعات باستمرار التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية
لن يكون عام 2019 أفضل من الأعوام التي سبقته بالنسبة للعراق إنْ كان على مستوى الاستقرار السياسي أو الأمني أو الخدمات. التحديات هي نفسها التي سبق للعراق أن عاناها خلال السنوات الماضية؛ باستثناء هزيمة تنظيم داعش عسكرياً أواخر عام 2017.
خلال عام 2018 أجرى العراق الانتخابات البرلمانية، بادئا بذلك الدورة الرابعة للبرلمان العراقي منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، مع الحكومة السادسة برئاسة عادل عبد المهدي التي لا تزال عرجاء. وبسبب تراكم الأزمات السياسية والاقتصادية والخدمية التي فجرت المظاهرات التي بدأت في محافظة البصرة خلال شهر يوليو (تموز) الماضي، وامتدت إلى محافظات الوسط والجنوب ذي الأغلبية الشيعية حتى العاصمة بغداد، أطلقت على حكومة عبد المهدي تسمية حكومة «الفرصة الأخيرة». لكن حتى هذه الحكومة، التي تعترف كل الكتل السياسية بأن فشلها يعني دخول البلاد في نفق مظلم من الأزمات، فكل المؤشرات بشأن مسار المائة يوم الأولى التي منحت لها، تدل على أنها لن تحقق ما وعدت به على صعيد منهاجها الوزاري الذي بدت طموحاته فوق سقف كل التوقعات.
ويوضح السياسي والقيادي في «تحالف القرار» أثيل النجيفي لـ«الشرق الأوسط» أن «الوضع في العراق ضعيف في كل الاتجاهات، ففي الوقت الذي تعد فيه الحكومة ضعيفة وغير قادرة على مواجهة الكتل السياسية، فإن الكتل السياسية هي الأخرى ضعيفة وغير قادرة على إسقاط الحكومة». ويضيف النجيفي أن «الوضع لن يتغير على صعيد الوضع السياسي الرسمي، وسيبقى الضعف هو السمة البارزة لهذا الوضع، كما أتوقع أن الأزمات ستتفاقم وتبدأ من البصرة وستأخذ شكلا مختلفا في كركوك». ويتابع النجيفي أن «الأمر لن يكون بأفضل حالا في المحافظات الغربية من البلاد؛ حيث من المتوقع أن يعود الاضطراب الأمني، ولكنه لن يصل إلى انهيار المدن كما حدث عام 2014 إلا في حالة واحدة؛ وهي رغبة بعض الأطراف للخروج من أزماتها في افتعال أزمة أكبر في المناطق الغربية التي ما زالت تعد ضعيفة وهشة ويسهل التلاعب بمصيرها».
من جهته، فإن الناطق الأسبق باسم الحكومة العراقية الدكتور علي الدباغ يرصد رؤيته لمسارات عام 2019 في العراق في حديثه لـ«الشرق الأوسط»؛ قائلا إن «العراق مدمن أزمات سياسية، ويبدو أنها مستدامة بسبب النظام التوافقي الذي يستوجب موافقة كل اللاعبين أو عدم اعتراضهم، وهذا نظام يولد عقبات كثيرة ومنها أزمة استكمال التشكيلة الوزارية».
ويضيف الدباغ: «ليس بوسع أحد أن يفكر بتعريض حكومة عادل عبد المهدي لسحب الثقة لأن الجميع يدرك أن الصعوبة تكمن في ترشيح شخص جديد لرئاسة مجلس الوزراء متوافق عليه»، مبينا أن «القبول سيكون هو سيد الموقف، وقد تعرض سلف عبد المهدي، العبادي، للامتحان ذاته، وتم تطبيق التخوف ذاته على فكرة إقالته من منصبه».
وبشأن التحديات الخارجية، وبالذات الإقليمية منها، خصوصا العلاقة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، يقول الدباغ إن «الحكومة ستتمكن من مواجهة التحديات الإقليمية وبالذات التجاذب الإقليمي العنيف مع إيران وأيضا الأميركي، في حين أن التحديات المحلية، وهي الأصعب، تحتاج لجهد يظهر فوق الأرض؛ من توفير فرص العمل، وتحسين الخدمات، وهما أكبر تحدٍ يواجه عبد المهدي وحكومته». ويشير الدباغ إلى أن «تحديات المنافسين والخصوم السياسيين تبقى قائمة وحاضرة حتى في حالات النجاح؛ حيث إنها تنشط لئلا يستحوذ القادم الجديد على جمهور انتخابي يزداد التنافس والصراع عليه بشدة بين الفرقاء السياسيين».
وحيث إن خريطة التنافس السياسي والحزبي تتمحور الآن حول الحكومة لجهة مطالبة كل طرف بحصته سواء من الحقائب الوزارية اليوم أو الهيئات المستقلة أو الوكالات أو السفارات أو المواقع الأخرى في الدولة في المستقبل القريب، فإنه في ضوء أزمة الموازنة المالية، خصوصا بعد تراجع أسعار النفط، سيستمر العجز في الموازنة كبيرا في وقت لا توجد فيه مؤشرات على انتعاش اقتصادي سواء بسبب الفساد المالي والإداري أو عدم توفير البيئة الآمنة بعد للاستثمار. ويضاف إلى ذلك ديون العراق التي بلغت حسب التقديرات الرسمية إلى أكثر من 100 مليار دولار.
وتبقى المشكلة التي لا تزال تشكل تحديا هي «الإرهاب». فالعراق تمكن من إحراز نصر عسكري على تنظيم داعش نتج عنه فقدانه السيطرة على الأراضي، لكن خلاياه النائمة بالإضافة إلى حرية حركته بين العراق وسوريا عبر الحدود المفتوحة؛ لا تزال تمثل تحديا يصعب التكهن بنتائجه المستقبلية.
وفي هذا السياق يقول الخبير المختص في شؤون الجماعات المتطرفة الدكتور هشام الهاشمي لـ«الشرق الأوسط» إن «القوات العراقية أعلنت النصر على تنظيم داعش عسكريا، وهو ما يعني خسارة التنظيم ما يسميها (أرض التمكين) وقدرته على رفع رايته على أي بناية حكومية أو عسكرية على أرض العراق»، مضيفا: «لكن التنظيم تحول فلولا تسكن الصحارى والجبال والتلال والوديان والمناطق الوعرة؛ حيث بدأ تمويل نفسه بنفسه، مع العمل على إنهاك القوات العراقية».
وبشأن ما يمكن أن يمثله هذا التنظيم من مخاطر مع هزيمته العسكرية، يقول الهاشمي إن «هذا التنظيم بدأ يستهدف المواطن العراقي؛ على الهوية مرة، وعلى الولاء السياسي والمذهبي مرة أخرى، عبر ترهيب المواطنين العزل وفرض الإتاوات وتسليط الضوء على عدم قدرة الحكومة العراقية على إيجاد حلول أمنية لأبناء تلك المناطق التي يوجد فيها هذا التنظيم».
وطبقا لهذه الرؤية التي يقدمها الهاشمي، فإن التحديات، سواء على صعيد الاستقرار السياسي أو الأمني أو الاقتصادي، لا تزال كبيرة في المناطق الغربية في ظل مدن لا تزال شبه مدمرة بينما تحتاج عشرات مليارات الدولارات لإعمارها