دخلت أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية مرحلة الجمود التام إلى ما بعد عطلة رأس السنة، مع توقف الاتصالات والمشاورات بشكل تام بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري والأطراف السياسية المعنية بالملف، لا سيما «التيار الوطني الحر» و«حزب الله»، اللذين حملتهما مصادر مواكبة للمشاورات مسؤولية العرقلة الأخيرة، وتبادل الأدوار بينهما لإطالة عمر الأزمة التي باتت مرتبطة بالتطورات الخارجية، على حد تعبير المصادر.
وفي حين غابت النشاطات السياسية المعتادة عن جدول أعمال القصر الجمهوري، ودارة الرئيس الحريري، سجل موقف متشائم لرئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي عبر عن أسفه الشديد للجمود الحاصل في موضوع تشكيل الحكومة، حتى من قبل المعنيين بالملف الحكومي. وقال بري، خلال «لقاء الأربعاء» النيابي: «قدمت كل ما أمكن من أجل تأليف الحكومة، ولن أندم على جهودي، ولا أريد أن أحمل طرفاً سياسياً معيناً مسؤولية التعطيل»، مشيراً إلى أنه «كان يجب أن تتشكل الحكومة قبل عيد الفطر (قبل 6 أشهر)، ولكن حتى اليوم لا يوجد حكومة!»، مؤكداً أنه «لا حل إلا بالدولة المدنية. وكل المصائب التي نعاني منها سببها الطائفية».
جاء كلام بري المتشائم معطوفاً على موقف رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي أطلقه من بكركي أول من أمس، وأبدى فيه استياءه من دخول أعراف وتقاليد جديدة على موضوع تشكيل الحكومة، وتلميحه إلى أن الوضع بات يحتاج إلى معجزة، طالباً من اللبنانيين الصلاة حتى تتشكل الحكومة. واستدعى ذلك رداً من بري بشكل غير مباشر، إذ اعتبر أن «العودة إلى الدستور هي الحل لكل العقد».
ورغم الانعكاسات السلبية للأزمة الحكومية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، لم تخفِ مصادر القصر الجمهوري أن «هناك فرملة للاتصالات، بعد المواقف الأخيرة التي صدرت عن كل الأطراف، وكانت حادة وسلبية».
وأكدت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا مؤشرات على انفراج قريب، ما دام أن كل فريق لا يزال متمسكاً بموقفه»، مشيرة إلى أن «العقدة التي كانت محصورة بتمثيل (اللقاء التشاوري) السني بات لها رديف، وهو مسألة الرغبة في تبديل بعض الحقائب»، لكن المصادر نفسها لفتت إلى أن «هذه الأجواء، رغم صعوبتها، لا تعني أن أبواب الحل مقفلة، بل يمكن التوصل إلى اتفاق، وبالنهاية الحكومة ستتشكل».
وفي حين يواصل الحريري الاعتصام بالصمت، احتجاجاً على العقد الجديدة التي برزت في ربع الساعة الأخير قبل ولادة الحكومة، رأت مصادر مطلعة على أجواء المشاورات أن «الأزمة لم تعد داخلية، بل لها امتدادات خارجية، تبدأ بملف أنفاق (حزب الله) في الجنوب، والتهديدات الإسرائيلية، وتنتهي بالانسحاب الأميركي من سوريا». وحملت هذه المصادر القريبة من قوى «14 آذار» كلاً من «حزب الله» ورئيس «التيار الوطني الحر»، جبران باسيل، مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع من تأزم، واتهمتهما بـ«تبادل الأدوار في عملية التعطيل، مرة عبر اختلاق الحزب مشكلة تمثيل النواب السنة الموالين له، ومرة من خلال اختلاق باسيل أزمة انضمام الوزير الذي سيمثل نواب (سنة الثامن من آذار) إلى فريقه الوزاري، وابتداع ظاهرة تبديل الحقائب».
ويرفض «التيار الوطني الحر» تحميل رئيسه جبران باسيل مسؤولية الأزمة الحكومية، ونبه عضو تكتل «لبنان القوي» النائب ماريو عون إلى أنه «إذا لم تتشكل الحكومة، فستحصل الكارثة، بحسب ما أعلنه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون»، وقال في تصريح له: «لقد أخذ الرئيس عون مسؤولية كبيرة على عاتقه بحل معضلة تشكيل الحكومة، لكن كل الأصول تغيرت»، وسأل: «هل هكذا تشكل الحكومات؟»، وذكر بأن «الذي يؤلف الحكومة هو الرئيس المكلف بالتشاور مع رئيس الجمهورية، ولو احترم الجميع المعايير منذ بداية التأليف لكانت قد تشكلت الحكومة».
واعترف النائب ماريو عون بأن «التيار الوطني الحر» مصرّ على الحصول على الثلث المعطل في الحكومة، سائلاً: «ما المشكلة إذا حصلنا على 11 وزيراً؟ فالهدف سيكون تمكيننا من العمل، لأننا في الحكومة التي كان لنا فيها 10 وزراء عُيرنا بأننا لم نحقق شيئاً، في حين تمكنوا من عرقلتنا كي لا نحقق شيئاً»، وقال: «الذي أعادنا إلى المربع الأول هو هوية من سيمثل اللقاء التشاوري، وهذا اللقاء الذي ارتضى بالحل الذي قدمه الرئيس عون لم يكن يحق له سحب اسم جواد عدرا، بعدما اختاره الرئيس، وتمت الموافقة عليه من مختلف الأفرقاء»، مشيراً إلى أن «(حزب الله) هو من وقف إلى جانب اللقاء التشاوري ودعمه، إنما ليس هو المعطل».