كانت من أبرز دوافع انعطافة قائد القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع في تأييد انتخاب الجنرال عون رئيساً للجمهورية، هي ضرورة الخروج من دوّامة الفراغ الرئاسي، وقيام المؤسسات الدستورية بواجباتها كاملة، وجرى التأكيد على ذلك في مناسباتٍ عدّة واعتبار ذلك موقفاً "وطنياً" بامتياز يتقدّم على الدوافع الحزبية والفئوية وحتى الشخصية منها.
ولكن وعلى الرغم ممّا تعرّض له جعجع من اعتراضاتٍ وانتقادات جرّاء هذا الخيار، فإنّ الوزير جبران باسيل لم يستفد شيئاً من هذا الموقف "الوطني"، لا بل راح يتنكّر لمعظم بنود اتفاق معراب والخروج على "روحيّته" كلّما سنحت له فرصة، محاولاً إقصاء القوات اللبنانية عن المقاعد الوزارية وحرمانها من المناصب الأمنية والوظيفية، حتى بلغت هذه المحاولات مداها عندما خُيّرت القوات بين "حُصّة" وزارية متواضعة، لا تتناسب مع حجمها النيابي أو الخروج من تشكيلة الوزارة العتيدة، ففضّلت تغليب المصلحة الوطنية العليا على غيرها من المصالح والاعتبارات، ورضيت بما قسمه لها الوزير باسيل بالتّكافل والتضامن مع الرئيس الحريري، وهذا "درسٌ وطني" آخر، كان حريّاً بالوزير باسيل أن "يحفظه" هذه المرّة ويتّعظ به، فيعمد إلى تيسير تأليف الحكومة بعد رفع حزب الله آخر حاجز إعاقة أمام تشكيلها والمتمثّل بالعقدة السّنيّة، وإذا صحّت فرضية قيام باسيل مع رئيس الجمهورية بالعرقلة المتعمّدة، فإنّ باسيل يكون قد اقترف خطأً فادحاً بحقّ البلد أولاً، وحقّ العهد ثانياً، وحقّ تياره وشخصه تالياً، وربما هذه هي الغلطة التي أشار إليها الزعيم الجنبلاطي عندما قال: غلطة الشاطر بألف غلطة.
ولعلّ الغلطة الكبرى أنّ من لا يًقدّم المصلحة الوطنية على ما عداها، يكون مُعرّضاً للوقوع في مهاوي الحزبية والطائفية والمصالح الفئوية والشخصية، وقانا الله وإياكم من شرورها وآثامها.