خيب الرئيس الأميركي حلفاءه الأوروبيين بإعلانه الأحادي ان الولايات المتحدة ستنسحب من سورية وتسلم المنطقة إلى الجيش التركي، وجاءت ردة فعل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من تشاد، حيث أمضى ليلة الميلاد مع القوات الفرنسية، معرباً عن أسفه الشديد لقرار ترامب، وقال: «إن قاعدة أي حلف لأي رئيس دولة ورئيس اركان أن يقودا المعركة جنباً إلى جنب، وأن يتم الاعتماد على الحليف». وأعلن ماكرون عن بقاء القوات الفرنسية، لأن مكافحة «داعش» لم تنته بعد، كما أنه أثنى على ما قال الجنرال ماتيس في إعلانه الاستقالة من منصبه.
واضح ان الحلفاء الأوروبيين مستاؤون من رئيس أميركي لا يبالي بأوروبا وموقفها. ولا ينسق مع رؤساء منطقة يحتقرها. وبدأ باظهار ذلك منذ أول زيارة للمستشارة الألمانية انغيلا مركل لواشنطن، حيث كان أقل احتراماً لها لدى استقبالها. والآن وبعد قراره الأحادي وإعلان ماكرون عن بقاء القوات الفرنسية ، وهي قليلة العدد، يظهر بوضوح ضعف أوروبا من دون الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب. إذ كانت القوات الأميركية بمعداتها وعددها تقود التحالف ضد الإرهاب. والآن أصبحت القوات الأوروبية وحدها في منطقة سلمها ترامب للقوات التركية، تاركاً الأكراد ليقتربوا أكثر فأكثر من النظام السوري وإيران وروسيا.
قال فريق ترامب المهتم بسورية مراراً أن القوات الأميركية باقية في سورية حتى خروج إيران منها. وإذ برئيس هذا الفريق يهدي إيران وروسيا والنظام السوري مغادرة قواته من الشمال السوري.
بوتين لم يحلم برئيس أميركي أفضل له من ترامب، الذي يترك لروسيا الهيمنة في الشرق الاوسط، خصوصاً أن بوتين عمل على علاقة جيدة ومهمة له مع إسرائيل، وهو يعمل على تعاون وثيق حتى أنه تمكن من تقليص الضربات الإسرائيلية على بعض المواقع الإيرانية في سورية. فسياسة ترامب الذي كان أصر على معاقبة إيران لسياستها في المنطقة، هي أن يسلم زمام أمور المنطقة إلى صديقه بوتين، الذي ساهم بشكل كبير في إنجاحه في الانتخابات الرئاسية. ولكن أي منطق في مثل هذه السياسة الأميركية حيث يعاقب ترامب إيران اقتصادياً من جهة، ويتركها تسرح وتمرح في سورية والعراق ولبنان. وتعطيل «حزب الله» لتشكيل الحكومة في لبنان مثل على التدخلات الإيرانية عبر الحزب. فأصبح بوتين سيد اللعبة في المنطقة. وهو الآن محتاج لإيران في سورية، وعلى رغم كل ما يقال عن تنافس بين النظامين؛ اختار بوتين أن يتحالف الآن وحتى إشعار آخر مع إيران.
وبوتين غير مستعجل للحل السلمي في سورية، وذلك واضح في موقفه من اللائحة الدستورية للمجتمع المدني السوري، حيث ادخل فيها أسماء عدة للمخابرات السورية. وحذف الأمم المتحدة وواشنطن لبعض هذه الأسماء من اللائحة أثار غضب سيرغي لافروف. فقرار ترامب بتسليم المنطقة لبوتين أكثر خطورة من قرار سلفه باراك اوباما لدى انسحابه من العراق، عندما سلم العراق إلى إيران.
بوتين يترك إيران تتغلغل في سورية والعراق ولبنان. وقد يصبح النظام الإيراني أقوى على الأرض في هذه الدول من الروسي، فتحالفه مع الميليشيات الشيعية التي اخذت تهيمن شيئاً فشيئاً في هذه الدول متين. وهيمنة هذه الميليشيات تزيد الطائفية في هذه الدول مع خلق تطرف طائفي لدى كل الديانات الأخرى بما فيها الأقليات المسيحية التي تتخوف على مصيرها. أن سياسة ترامب الأحادية تضعف أوروبا وموقفها المعتدل من قضايا المنطقة، وتزيد خطورة الهيمنة الإيرانية والتهديد الإسرائيلي، والقلق يزداد مع التطورات المتلاحقة في الشرق الأوسط.