قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من سوريا يتناقض مع خططه لتقويض نفوذ إيران في سوريا والعراق.
 

قلب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسحب القوات الأميركية من سوريا طاولة التوازنات، ودفع بالتنافس على أشده بين تركيا وفرنسا وإيران والعراق على شغل الفراغ. كما قلب الأمر سلّم الأولويات التركية المرتبطة بالشأن السوري.

واستبعد مراقبون أن تندفع تركيا لتعبئة الفراغ على النسق الذي توحي به الحملات الإعلامية التركية ضد أكراد سوريا داخل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ورأت أن الأمر لا يمكن أن يتم دون التنسيق مع روسيا وإيران، ودون الأخذ بالاعتبار التواجد والموقف الفرنسيين من هذه المسألة.

وتشارك فرنسا في تحالف دولي لمكافحة الإرهاب تقوده الولايات المتحدة في سوريا والعراق. وأوفدت طيّارين حربيين وعسكريين مدفعيين يتولّون عمليات القصف. كما أن عدّة مصادر أفادت بنشرها عناصر من القوات الخاصة في الأراضي السورية، لكن الحكومة الفرنسية لم تؤكد بعد هذه المعلومات.

ووصلت إلى مدينة تل أبيض، شمال مدينة الرقة، الأحد، قوة فرنسية بالتزامن مع وصول قوات تركية إلى الحدود المقابلة.

ونقل عن مصادر “قسد” أن القوة مؤلفة من تسع سيارات عسكرية، بينها أربع ترفع العلم الفرنسي، من دون معرفة أسباب دخولها إلى تل أبيض أو المنطقة التي قدمت منها.

وأعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن أسفه الشديد إزاء القرار الأميركي، معتبرا أن الحليف “من شأنه أن يكون محل ثقة”.

ونبّهت تركيا، الثلاثاء، إلى أنه “لا طائل” من حفاظ فرنسا على تواجدها العسكري في سوريا لـ”حماية” وحدات حماية الشعب الكردية.

ونقلت وكالة الأناضول الرسمية عن وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو قوله إنه “لا معلومات لدينا حول إيفاد المزيد من الجنود (الفرنسيين)، لكنهم يحافظون على تواجدهم الحالي. وإن كانوا يبقون لبناء مستقبل سوريا، فهم مشكورون. لكن إن كانوا يبقون لحماية الوحدات الكردية، فلا طائل من ذلك لأحد”.

ولفتت مصادر تركية مراقبة إلى أن الخطاب الرسمي التركي يتحدث عن العزم على القضاء على داعش بما يتناقض مع الحديث عن هجوم “لدفن” الإرهابيين (الأكراد) في خنادقهم.

ورأى هؤلاء أن اللهجة التركية تتسق مع ما كشفت عنه وسائل الإعلام الأميركية عن تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنظيره الأميركي بالعمل على “اجتثاث” ما تبقى من تنظيم داعش.

وأكد ترامب، الأحد، بعد مكالمة هاتفية مع نظيره التركي أنه يتّكل على الأخير “للتخلّص” من تنظيم داعش الذي قال إنه “هُزم”.

وغرّد أن “الرئيس التركي أردوغان قدّم لي ضمانات بتعابير قوية” حول عزمه “القضاء على فلول تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا”.

وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الثلاثاء، “نتحلّى بما يكفي من القوّة للقضاء على تنظيم داعش”.

وتتحدث الأنباء عن اتصالات تجري بين “قسد” ودمشق لتنسيق المواقف والتحركات الميدانية ضد تركيا التي تعتبرانها عدوا مشتركا.

وقالت أنباء الثلاثاء إن قوات النظام دخلت بلدة “العريمة” بالريف الغربي لمدينة منبج. وأفادت وكالة الأناضول أن رتلا مكونا من 40 سيارة دفع رباعي محملة بالجنود، ودبابتين، وعربات مصفحة، وشاحنات تحمل معدات، دخل المدينة في خطوة توحي بأن الأكراد قد يلجأون إلى النظام لحماية مناطق سيطرتهم من هجوم تركي.

وتعتمد قسد حتى الآن على سقف دولي يمثله الموقف الفرنسي، مع العلم أن موقف باريس سيبقى ضعيفا إذا لم يحظ بتغطية سياسية وعسكرية من الدول الغربية ومنظومة الحلف الأطلسي.

وتحدثت معلومات عن أن واشنطن ستنقل قواتها من سوريا إلى مدينة أربيل الكردية العراقية، وفق خطة تشترك بها القوات العراقية وقوات البيشمركة الكردية لملء الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأميركي في شرق الفرات.

ورأى مراقبون أن هذه المعلومات ستتيح تبرير تدخل الميليشيات العراقية التابعة لإيران في المناطق السورية التي ستخليها واشنطن.

وأكد الحشد الشعبي العراقي الاستعداد لأي خطر محتمل على خلفية الانسحاب الأميركي من سوريا. بينما لم ترد الحكومة بشكل واضح على دور قواتها المحتمل في سوريا.

ووفقا للموقع الإلكتروني للحشد، فقد أكد قائد عمليات نينوى بالحشد “الاستعداد لأي خطر محتمل على خلفية انسحاب القوات الأميركية من سوريا”.

ونقل عن معاون قائد العمليات حيدر عادل القول “قطعاتنا الموجودة في محافظة نينوى كبيرة وكافية ولدينا قوات احتياطية جاهزة”.

ويحذر المراقبون من أن قرار واشنطن الانسحاب من سوريا سيتيح لإيران المضي في خططها لفتح ممر استراتيجي من طهران إلى بيروت.

ويرى هؤلاء أن النيران الأميركية سبق أن تدخلت بشراسة لمنع إيران من تنفيذ خططها عبر الحدود العراقية السورية، وأن التواجد الأميركي في قاعدة التنف على المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني مثّل سدا معنويا وعسكريا لردع طموحات إيران في تلك المنطقة.

وقال خبراء أميركيون في واشنطن إن قرار ترامب الانسحاب من سوريا يتناقض مع خططه لتقويض نفوذ إيران في سوريا والعراق، كما يتناقض مع ما سبق أن أعلنه مستشار الأمن القومي جون بولتون، والمبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري، من أن الوجود الأميركي العسكري في سوريا هدفه القضاء على داعش وطرد النفوذ الإيراني هناك.

وحذر رئيس هيئة التفاوض المعارضة، نصر الحريري، من تمدد إيراني مزمع في المناطق التي تنسحب منها القوات الأميركية في البادية السورية، كاشفا عن “معلومات مؤكدة وبالتفاصيل عن استنفار إيراني على مستوى القيادة وحشود عسكرية كبيرة في العدد والعتاد تقوم بها ما تبقى من قوات النظام والميليشيات الإيرانية سعيا لاستثمار هذه التطورات لتحقيق مكاسب أكبر وإعادة سيطرة وتوزع على المناطق التي يمكن أن يتم فيها الانسحاب”.

ويتوقع محللون أن فترة المئة يوم المفترض أن يستغرقها الانسحاب الأميركي من سوريا ستشهد مفاجآت كبرى قد تعيد قراءة المشهد الكلي حتى من قبل واشنطن. ويتحدث هؤلاء عن احتمال انتعاش داعش بشكل خطير إضافة إلى ارتفاع إمكانات الصدام بين كافة القوى المرشحة لملء الفراغ الأميركي شرق الفرات.