تتجمّع للبنان هذا الوطن الصغير المسمّى في الشعر وطن النجوم، والمسمّى في الاقتصاد «سويسرا الشرق»، وفي السياسة وطن الحوار والتلاقي الحضاري والثقافي والنموذج العالمي للعيش المشترك، تلتقي تقاطعات الجغرافيا بالتاريخ، بصورة نادرة الحدوث في حال وطن غيره، فعنده تلتقي خطوط الطول والعرض في معادلة الثلث بالثلث لتعطي أبدع مناخ وأجمل طقس في الكرة الأرضية، اعتدال الحرارة والمطر ودرجة الخصوبة للأرض، وقرب الساحل من الجبل، وبحر دافئ وأنهار متدفقة وتموّجات وتضاريس لطيفة لسهول وهضاب وجبال وغابات ومزارع وما لذ وطاب من الثمار حبوباً وخضاراً وفاكهة، قيل إنها في الماضي سمّيت بإهراءات اثينا، وعنده في التاريخ التقت موجات بشرية صنعت حضارات وتمازجت ومنحت شعبه خصالاً متميّزة وقدرة على التعايش والتفاعل وحباً للاختلاط، وخصّت ناسه بمواهب ثقافية وإبداعية، بحيث ندر أن تجد بلداً بأضعاف حجمه ينبض عبر التاريخ بهذا العدد من النوابغ الذين تفتخر بهم الحضارة الإنسانية، وتشكلت له عبر آلاف السنين سمعة ومكانة عبر العالم جعلته مقصداً موضع حسد من القريب والبعيد.
هذا الوطن ينبض بأهمّ صحافة وإعلام في منطقته، وفيه أقوى برلماناتها وأعرق ديمقراطيّاتها انْ لم تكن الوحيدة، وله بينها جميعها رئيس من المسيحيين الذين يشكلون أقلية مميّزة في عالم إسلامي كبير، وفيه أهمّ وأنشط مصارف المنطقة، ولأبنائه أعرق تقاليد سياحية وأفضل شهرة في عالم الخدمات، وتشكل عقاراته أوثق وأضمن الاستثمارات البعيدة المدى وفقاً لتعريفات كبريات الشركات الائتمانية في العالم.
إذا تطلعنا في اللحظة السياسية الراهنة وشخصيات بلدنا، سنجد أنّ لدينا رئيس جمهوريّة يمثّل أكثريّة من ضمن طائفته تعطيه شرعيّة شعبيّة بالإضافة لشرعيّته الدستوريّة، ورئيساً لمجلس النواب محنّكاً وخبيراً وممثلاً لأكثريّة ساحقة في طائفته ممّا يعطيه مجالاً كبيراً للمناورة ولتقريب وجهات النظر، ورئيساً للحكومة له تمثيل أكثري في شارعه وقادر على إقامة التفاهمات وعقد التسويات الداخليّة وقرع أبواب العواصم العربيّة والغربيّة لفتح نوافذ الخطط والمساعدات الإقتصاديّة.
ولديه برلمان انتخب وفق قانون أمّن صحّة تمثيل لمختلف أطياف المجتمع السياسيّة والطائفيّة.
كلّ هذه الحقائق والمعطيات يجب ان تحثّنا على المضيّ قدُماً لتشكيل حكومة وحدة وطنيّة إنقاذيّة تباشر العمل في أوّل العام المقبل وتضع البلاد على طريق الخلاص.
نعم لم يفت الأوان.
انّ هذا العهد برئيس جمهوريّته الميثاقي ورئيس مجلس نوّابه المنتخب حديثاً والممثل الفعلي لشعبه ورئيس حكومته المكلّف من أكثريّة ساحقة استثنائيّة من النوّاب يمكنهم أن ينقذوا لبنان.
ولكنّنا نشعر أنّ العهد الوحيد الذي شكل وعداً للبنانيين محاصر وصورة رجله القوي يُراد لها أن تصير صورة العجز والضعف، ورئيس المجلس القادر على حلّ مشكلات العالم يُراد له أن يفشل في حلّ مشكلات بلده، ورئيس الحكومة المرن والمحاور يُراد أن نراه عنيداً بلا رحمة.
نكتشف أننا فعلنا ببلدنا ما لا يستحق وما لا نستحق كأنها لعنة إلهية تلاحقنا لأننا أسأنا تقدير النعمة، ونحن بين قلقين:
الأول بأننا أمام أزمة نظام لا أزمة حكم.
والثاني أننا أمام ضعف الرجاء.
ولأننا في زمن الأعياد المجيدة نحب أن نصلي لبلدنا ونرفع منسوب الرجاء بخلاصه من هذه اللعنة فنردّد «وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ».