رغم نفي معظم الأفرقاء أن أزمة الحكومة عادت إلى المربع الأول؛ فإن المواقف الصادرة عن المطلعين على خفايا التأليف تعكس بما لا يقبل الشك أن العقد؛ المستجدة منها والجديدة، غير قابلة للحل على الأقل في المدى المنظور وفق المعطيات الحالية.
وقالت مصادر قريبة من رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، لـ«الشرق الأوسط»، إنه قدم كل ما لديه من أجل تسهيل عملية التأليف، «لكن في كل مرة كانت العرقلة تأتي من مكان مختلف».
وإذ أشارت المصادر إلى أن الحريري مستاء مما جرى، قالت إنه بعد أن فشلنا في تقديم الحكومة هدية للبنانيين على أبواب الأعياد، فإن الأمور باتت في غاية التعقيد.
وفي حين وصفت مصادر مطلعة على المشاورات الأجواء الحكومية بـ«غير الإيجابية»، حملت مصادر وزارية في «8 آذار» وزير الخارجية جبران باسيل مسؤولية عرقلة الحكومة منذ بدء المشاورات. وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «العقدة المخفية الأساسية هي العقدة الباسيلية التي تعرقل تشكيل الحكومة في كل المراحل؛ من (العقدة المسيحية) إلى (العقدة الدرزية) والآن (العقدة المسيحية)»، موضحة: «هدفه هو الحصول على الثلث المعطل بـ11 وزيرا، وهو ما لا يمانعه (حزب الله) لكن شرط ألا يكون على حساب الآخرين».
وهذا الموقف عبر عنه أيضا النائب في «تكتل التنمية والتحرير» علي خريس، من دون تسمية باسيل. وأتى ذلك في وقت لا يزال فيه «التيار الوطني الحر» يرفض تحميل رئيسه وزير الخارجية جبران باسيل مسؤولية التعطيل في رد منه على مواقف الحلفاء منهم والخصوم.
ورأت المصادر المطلعة على المشاورات أن مشكلة الحكومة باتت مزدوجة بعد فشل حل العقدة السنية لتمثيل «سُنّة 8 آذار»، وهي طرح إعادة توزيع الوزارات المتفق عليه؛ وتحديدا البيئة، والإعلام، والثقافة، والزراعة، إضافة إلى قضية تمثيل الوزير السني الذي قبل رئيس الجمهورية بأن يكون من حصته على أن يكون ضمن فريقه الوزاري، في وقت يصر فيه «اللقاء التشاوري» على أن يكون ممثلا له.
وأمام هذه العقد، رفض علي خريس، النائب في الكتلة البرلمانية التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري، أن يصبح البلد محكوما من شخص أو شخصين أو ثلاثة. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «(حركة أمل) و(حزب الله) سهلا التأليف، وبعدما بتنا على مقربة ساعات من الإعلان عن تأليف الحكومة، أتى من يسابق على من سيحتسب الوزير السني على حصته وليضرب عرض الحائط بكل الجهود».
وفيما سأل: «هل هناك دولة أم لا؟» قال: «أنا بصفتي نائبا في البرلمان اللبناني أصبحت مقتنعا بأنه لم تعد هناك دولة»، داعيا إلى رفع الصوت، ومهددا بـ«بق البحصة لفضح كل ما يحصل ومن يقف خلف العراقيل». وأضاف: «نحن بصفتنا فريقا سياسيا لن نسكت بعد الآن إذا بقي الوضع على ما هو عليه، سنبق البحصة وسنلجأ إلى التصعيد بكل الوسائل الممكنة للتوصل إلى حل وتأليف الحكومة». في المقابل، رفضت مصادر في «التيار» لـ«الشرق الأوسط»، تحميل باسيل مسؤولية التعطيل، وأكدت أن هناك جهودا تبذل لتدوير الزوايا، وأنه «لا مصلحة لوزير الخارجية في التعطيل الذي ينعكس سلبا على العهد»، وهو ما شدد عليه النائب في تكتل «لبنان القوي» (الوطني الحر) روجيه عازار في حديث إذاعي، قائلا: «(التيار) قدم الكثير، خصوصا أنه يحق له أن يتمثل بعدد وزراء أكبر وفقا لنتائج الانتخابات النيابية، لكننا وافقنا بهدف تشكيل الحكومة، فليسمحوا لنا ويجدوا الحل، لأننا قدمنا حلولا كثيرة».
إلى ذلك، حمل البطريرك الماروني بشارة الراعي المسؤولين كل ما وصل إليه الوضع السياسي والاجتماعي في لبنان لناحية التأخير في تأليف الحكومة ونتائجه والخروج عن اتفاق الطائف، محذرا من التمادي في هذا الأمر.
وفي رسالته بمناسبة عيد الميلاد المجيد رأى الراعي أن «أصحاب الشأن ما زالوا يماطلون في تأليف الحكومة منذ سبعة أشهر، ويتفننون في خلق العقد في كل مرة تصل الحلول إلى خواتمها»، معتبراً أنهم «غير آبهين بالخسائر المالية الباهظة التي تتكبدها الدولة والشعب اللبناني».