كثرت التقارير الصحافية في السنوات الأخيرة عن تضاءل عدد المسيحيين في الشرق الأوسط وتزايد معدلات هجرتهم إلى أوروبا وأميركا ، لأسباب سياسية وأمنية ودينية وغيرها ، وآخرها ما ذكرته صحيفتي “لاكروا” و”لوفيغارو” الفرنسيتين .
إلاّ أن هذا الإنخفاض في أعداد المسيحيين ، يُقابله تفاعل كبير مع الطقوس والمناسبات المسيحية ، خصوصاً من قبل المسلمين ، لدرجة أن المسلمين باتوا يزاحمون المسيحيين في هذه الأعياد .
من عيد الميلاد إلى قيامة المسيح وولادة العذراء ، لا تنتهِ قصة تعلّق المسلمين بهذه الأعياد وحرصهم على إحيائها بإهتمام واسع .
والمفارقة أن المسلمين لا يهتمون بالأعياد الإسلامية كاهتمامهم بالمسيحية ، فعيد المولد النبوي الشريف يمرّ مرور الكرام دون أي قدر من الأهمية التي يتلقاها عيد ميلاد المسيح مثلاً.
وفي السنوات الأخيرة ، بدأ المسلمون الإستعانة ببعض الأفكار المسيحية للترويج لأعيادهم الخاصة كمحاولة لإعادة التوازن والإهتمام مع المناسبات المسيحية .
فبدأوا مثلاً بوضع إسم النبي محمد على شجرة الميلاد في عيد المولد النبوي الشريف ، وإضاءة الشوارع والمحال بإسم محمد وغيرها من الأفكار .
هذه المحاولات مردّها إلى تقلّص مساحة الفرح لدى المسلمين ، إذ لا تجد مناسبات للمسلمين تختص بالفرح وإن وُجدت فإنهم لا يجيدون فنّ صناعة الفرح وتحويله إلى إبداع وفكر ، لذلك يلجأون إلى إستيراد أفكار من ديانات أخرى للتعبير عن أعيادهم الخاصة .
إقرأ أيضا : تظاهرات مع ولادة المسيح (ع)!
وفي بعض المساحات الفكرية ، تجد الفرح مرتبطاً بالموت ( الشهادة )، فالموت هو درب الفرح .
في القرآن الكريم وفي هذه الآيات من سورة آل عمران يظهر هذا الربط جلياً بقوله تعالى:
"وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)" .
إذاً ، نقص في الأفكار وسوء في تسويق الموجود مع ميل شديد للحزن ، جعل الطوائف الإسلامية تبحث عن فرح جاهز ، تجده في شجرة الميلاد .
وتجد أن الطائفة الشيعية الأكثر تعلّقاً بالأعياد المسيحية ، فهي تحرص على إحياء هذه المناسبات وتُحاكيها أيضاً ، فبدل السبحة مع الصليب هناك السبحة مع سيف الإمام علي ( ذو الفقار ) ، وبدل لوحات وجه المسيح هناك صور لوجوه الأئمة ، وهكذا تكتمل الهوية الإحيائية الشيعية بطقوسها في محاكاة لتلك المسيحية .
لكن الشيعة حزينون بطبعهم ، ومناسباتهم حزينة ، فيبحثون عن الفرح وفنّ إحياء هذا الفرح . لذلك تجدهم يحرصون على وضع شجرة الميلاد في مدنهم ( صور ، النبطية ، الضاحية الجنوبية... ) وداخل منازلهم ، بحثاً عن الفرح وما توُحيه شجرة الميلاد من أجواء بهجة وسعادة وأمل .
وإن كان هذا الإحياء ليس نفاقاً ولا تقيةً ، بل حاجةً للفرح وتنفيذاً لأدبيات التعايش السلمي في لبنان ، وبسبب التقارب في الأساس بين المسيحية والمذهب الشيعي ، فإن هذه الأجواء التقاربية والحرص الكبير من الشيعة والمسلمين بشكل عام على إحياء مناسبات المسيحيين ، جعلت البعض عُرضة للإنتقاد والتهكم بحجج الحفاظ على الهوية الدينية لكل دين وطائفة ومنع تسلل الأفكار المسيحية إلى داخل المذاهب الإسلامية ، وفي هذه النقطة بالتحديد هناك توافق بين الشيعة والسنة بتفاوت نسبي بالتأكيد .
إذ أن المرجع الشيعي الأعلى في النجف الأشرف السيد علي السيستاني حرّم إحياء هذه المناسبات وعيد الميلاد في حال كانت "تُروّج للمسيحية" .
لكن السيستاني كغيره من المراجع لم يُقدّم البديل ولم يُعالج السبب ، بل لم يُساعد في كيفية جعل الناس تتجه إلى فضاءات الفرح والأمل بعيداً عن السواد والحزن.
لذلك السبب ، فإن المسلمين والشيعة بالأخص ينجذبون لشجرة الميلاد ، لما تُمثّل من أمل وخلاص وفرح ، ولما للمسيح من أهمية ذات بعد عالمي وإنساني ، وتُعوّض لهم عن نقص ، وتستبدل فترات كبيرة من الحزن والمأساوية والسواد يعيشها الشيعة على مدار العام .
فشجرة الميلاد والتعلّق بها هو تعلّق بأملٍ غائب وفرحٍ مفقود.