الحكومة الى الوراء در، وكأن كل التفاؤل الذي أشيع في الأيام الأخيرة وعن ولادة قبل عيد الميلاد كان مجرد زوبعة في فنجان، أو إلهاء للبنانيين أو ضحك على الذقون، أو إستخفاف بالعقول وبكل ما يحيط بالوطن من مخاطر..
كل الأنظار كانت مشدودة الى العقدة السنية، والى كيفية حلها بإقناع جواد عدرة في أن يكون ممثلا حصريا للقاء التشاوري على طاولة مجلس الوزراء، حيث يبدو أن ثمة سوء فهم حصل، بين رئيس الجمهورية وبين نواب التشاوري حول وظيفة هذا الوزير والمهام المطلوبة منه، خصوصا أن الرئيس عون أبدى عدم قبوله بالأسماء الثلاثة التي قدمها اللقاء إليه عبر اللواء عباس إبراهيم، الأمر الذي من شأنه أن يضرب أسس التسوية التي من المفترض أن تحتاج الى صياغة جديدة، فهل سيكون وزير التشاوري من حصة رئيس الجمهورية؟، أم أن وزير رئيس الجمهورية سيكون من حصة التشاوري؟، وكيف يمكن أن تحل هذه المعادلة؟، وكيف يمكن للنواب السنة أن يتمثلوا بوزير يسمونه ثم يكون ولاءه لرئيس الجمهورية؟، وماذا ينفعهم هذا التمثيل؟، وكيف يكون رئيس الجمهورية قد وافق على التنازل عن وزير من حصته للقاء التشاوري وهو يريد أن يبقى تابعا أو خاضعا له؟.
في غضون ذلك، كان هناك من يعمل على إعادة توزيع الحقائب، ما أدى الى شبه زلزال قلب هذه الحقائب رأسا على عقب، وجمّد عملية التأليف وأعاد الأمور الى المربع الأول، ما دفع البطريرك الماروني الكاردنيال بشارة الراعي الى تكرار طلبه بتشكيل حكومة أقطاب مصغرة، وكأنه بذلك ينعي كل الجهود الأخيرة التي بذلت من أجل تشكيل الحكومة.
لكن المفاجأة يوم أمس، كانت في مواقف أصحاب الحل والعقد الذين بدل أن ينكبوا لانقاذ التشكيل ويسعون سريعا الى إعادة الأمور الى نصابها والحفاظ على أجواء التفاؤل التي ترافق العيد، إنكفأ كل منهم على طريقته..
رئيس الجمهورية أشارت مصادره الى أنه مستاء مما يحصل، وفي ذلك إعتراف بهزيمة من شأنها أن تضرب صورة العهد القوي، فإذا كان رئيس البلاد مستاء مما يحصل، ماذا ينتظر من شعبه أن يفعل، وإن كان من يملك التوقيع الأخير على مراسيم الحكومة غاضب، فمن يهدئ من روع اللبنانيين الذين يضعون أيديهم على قلوبهم خوفا مما هو آت..
رئيس الحكومة المكلف لاذ بالصمت، وإذا صمت الرئيس سعد الحريري فمن الذي يتكلم ويصارح اللبنانيين ويطمئنهم الى يومهم وغدهم؟، وإذا إنكفأ، فمن يشكل الحكومة وهو صاحب الصلاحيات الواسعة في هذا المجال؟، وهل وزير بالزائد أو آخر بالناقص يحتاج الى كل هذا التعطيل وكل هذا الانتظار، والى تنغيص فرحة العيد على المواطنين بتجميد التشكيل والعودة فيه الى المربع الأول.
حزب الله لا يريد لأي فريق أن يحصل على الثلث المعطل في الحكومة، لكنه يحفظ الود مع رئيس الجمهورية ولا يبوح بذلك، علما أن الحزب يمتلك أن يمون على التيار الوطني الحر وعلى اللقاء التشاوري، وأن يزيل هذه الحواجز النفسية من أمام الجميع.
أما جبران باسيل فهو اليوم في قفص الاتهام، حيث يحمله كثيرون مسؤولية ما حصل، سواء في محاولته الانقلاب أو الالتفاف على التسوية للابقاء على الثلث المعطل في جيبه، أو في السعي للحصول على حقائب يضع عينه عليها، لا سيما البيئة التي سيكون لها شأنا كبيرا في المرحلة المقبلة، وأنه يسعى منذ الآن الى التحضير لمعركة خلافة عمه في رئاسة الجمهورية، وأنه يعتبر أن الفرصة اليوم ذهبية، وهي لا يمكن أن تتكرر أن هو فرط بها.
هذا الواقع يدعو الى التساؤل اذا كان من يملكان التوقيعين على المراسيم الأول مستاء والثاني صامت، وإذا كان من يملك القوة على الأرض لا يبوح بما يضمر لكي يضع النقاط على الحروف ويوقف أصحاب شهوة السلطة عند حدهم، فمن في لبنان يشكل الحكومة؟ وهل بات ممكنا أن تولد هذه الحكومة قبل رأس السنة؟.
يقول مطلعون: من المرجح أن تتأخر الحكومة الى ما بعد رأس السنة، وأن كل ″الطلق″ الذي حصل إيذانا بالولادة كان عبارة عن ″طلق″ كاذب، لكن الخشية من أن يؤدي هذا التأخير في الولادة الى موت الجنين، وعندها الانتظار سيكون طويلا، فيما الشارع يغلي على وقع التحركات ما يهدد لبنان بفوضى قد تؤدي الى ما يحمد عقباه.