تظاهرات على مدى أسبوعين نُظّمت في لبنان بسبب تردّي الأوضاع الإقتصادية والمعيشية والحال الذي وصلت إليه الأمور، ومن يُراجع التقارير الإقتصادية الدولية يصل إلى قناعة تامّة بأن التظاهر في لبنان أمر طبيعي في هكذا حالة بل إن الشعب اللبناني تأخّر أيضاً.
في مظاهرات الأمس، من بيروت وطرابلس إلى صور والنبطية، كانت الشعارات المطلبية موحّدة، لجهة إصدار البطاقة الصحية وخفض أسعار الدواء والإتصالات والمحروقات، مع بعض الشعارات الكبيرة كإسقاط النظام، وهي شعارات لا يختلف عليها الشعب اللبناني.
لكن هذه التظاهرات تركت إنطباعاً سلبيّاً لدى التيار الوطني الحر وفريق العهد الرئاسي، تُرجم عبر حرب المصادر بالأمس وتبادل الإتهامات بطريقة غير مباشرة بينهم وبين حزب الله.
إذ لأول مرّة يظهر مصطلح "العقدة الباسيلية" كما أشارت مصادر حزب الله لقناة الـ MTV، وردت مصادر من التيار بأن المظاهرات هي إستهداف وإضعاف للعهد، قبل أن يصدر حزب الله بياناً ينفي فيه ما يُسمّى بأخبار المصادر، إلاّ أن مقدمتي أخبار قناة الجديد والمنار قطعتا الشكّ باليقين.
إقرأ أيضًا: الحراك في الجنوب مُستعد للشارع ... هل هو على مستوى التحدّي؟
ولا شك أن هذه التظاهرات لم تُنظّم من قبل حزب الله، والحزب نفسه نفى ذلك، وظهر ذلك جليّاً في الإنقسام العامودي الذي حصل في قواعد حزب الله الجماهيرية حول المشاركة أو عدم المشاركة، لكن في الوقت نفسه حزب الله لم يقف ضد التظاهر ولم يمنع مناصريه من النزول إلى الساحات، بمعنى أنه ترك لهم حرية الإختيار.
هذا الشيء لا يعني أن حزب الله وراء هذه التظاهرات، أو أنها كانت متعلّقة بالوضع الحكومي لأن الدعوات إنتشرت عبر السوشيال ميديا في وقت كان الجميع يُبشّر بولادة الحكومة وبالتالي التظاهرات كانت مطلبية بوضوح ، لكن ما أخاف التيار الوطني الحر هي أن تكون هذه التظاهرات مقدّمة لتظاهرات كبرى ينظمّها الحزب ويتبناها لاحقاً، وهي مرحلة القطيعة النهائية حينما تصل الأمور إلى هذا الحد ّ.
وما يقلق التيار أيضاً أن حزب الله قادر أن يوّجه ويستغل أي حراك شعبي إحتجاجي ومعيشي حتى لو نُظِّم من قبل خصومه، لخدمة أجندته السياسية.
إقرأ أيضًا: أين نقابات لبنان مما يحصل في البلد؟
أضف إلى ما تقدّم، هو ما صرّح به الرئيس نبيه بري اليوم وإشادته بالتظاهرات وتأييده للمطالب وتذكيره بمباراة الخدمة المدنية، ما جعل البعض من المقرّبين للرئيس ميشال عون يستذكر مقولة بري الشهيرة قبل إنتخاب عون للرئاسة بأنه سيكون معارض للعهد.
كل هذه المعطيات تُؤكّد أن الحزب منزعج من أداء الوزير جبران باسيل رغم محاولات نفي حزب الله ذلك، لذلك يحاول الحزب تحميل باسيل كافة المسؤولية عما آلت إليه الأمور، وإشعاره بأن العقد المستفحلة ستُفكّ بالسياسة أو بالشارع، وما عليه إلا أن يختار.
بالمقابل يبدو أن لدى فريق العهد الإستعداد الكامل للمواجهة، وهذا ما ظهر جلياّ في نزول الجيش اللبناني بالأمس إلى الشارع ووضعه في وجه المتظاهرين، وتعرّض بعض المصوّرين للضرب على يد عناصر منه.
والحقيقة، أن نزول الجيش إلى الشارع هو رسالة من العهد للتظاهرات القادمة، ولحزب الله بالتحديد في حال أراد التصعيد بالشارع.