ما شهدته شوارع بيروت بالأمس، هو أقرب ما يكون إلى صرخة وجع، أكثر منها تظاهرة احتجاجية نطمح لها جميعاً، فالتظاهرة لها شروطها ومقدماتها ومطالبها الواضحة والأهم من كل هذا فدور التظاهرة هو تحميل المسؤوليات وتوجيه التهم بدون لبس كفوف، وبالتالي حمل مطالب تغييرية واضحة، لا توسّل الحلول من صانعي الأزمات، لأن المتظاهر الغاضب غير معني بأي اعتبارات سوى التصويب على الهدف بعيداً عن كل الحسابات السياسية وغير السياسية.
إقرأ أيضًا: حتى لا يسرقوا منا السترة الصفراء
وكما في كل مرة تقرّر فيها الناس المكلومة والجائعة النزول إلى الشارع، تطفو على صفحات التواصل في البيئة الشيعية خصوصاً محاولة تحييد "حزب الله" بشكل عام والسيد حسن نصرالله بالخصوص عن تهمة الفساد والمفسدين، كون هذا الحزب هو حزب مقاوم يقدّم الشهداء ويضحي من أجلنا ولا علاقة له بمجريات اللعبة السياسية ولا هو شريك بالصفقات والسرقات التي يمارسها الآخرون.
هذه "الخديعة" لم تعد تنطلي على الناس ولا حتى على فئة واسعة من الجمهور الشيعي الأكثر تضرراً من حالات الفقر والبطالة المستشريان في البلد عموماً وفي الجنوب والبقاع على الأخص، وهذا ما رأينا إرهاصاته في تجمع الأمس برياض الصلح، وتجلى أكثر في حراك النبطية، وتحميل المسؤوليات لنواب ووزراء حزب الله بالإسم بدون خوف أو وجل وهذا يعتبر تحوّل كبير في الوعي الجماهيري الذي لم تعد تنطلي عليه فكرة أن يكون حزب الله شريك أساسي بكل تفاصيل العملية السياسية وبنفس الوقت يختبئ خلف "المقاومة" لتبرير تقصيره أو فساده .
مع التأكيد هنا، أن تحميل المسؤوليات وتوجيه التهم، لا يقتصر فقط على الفاسد والسارق، فمن يقف خارج الباب لمراقبة عودة صاحب المنزل هو شريك حقيقي وكامل بالسرقة حتى وإن لم يمد يده على الأثاث المسروق، وهذا تماماً ما يقوم به حزب الله، فهو الراضي عملياً بكل عمليات اللصوصية التي تجري أمام عينيه فضلاً عن تحالفه وانتخابه ورضاه عن أفعالهم، ومعروف أن الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم.
إقرأ أيضًا: على ماذا يراهن جبران باسيل؟
ومن جهة أخرى، فإن المسؤول السياسي المتصدي للشأن العام، ومنهم السيد حسن نصرالله طبعاً، يجب أن يُحاسب ويُطالب بعيداً عن نزاهته وتعفّفه الشخصي، بل يحاسب على خياراته السياسية، وبرنامجه ومشروعه وما يجلبه هذا المشروع للمواطن، فلو سلمنا جدلاً بأن السيد هو شخص نقي تقي وبعيد كل البعد عن الشبهات، إلا أن هذا لا يمنع أنه حليف أساسي لهذا العهد وصهره وهو المسؤول الأول عن كل ارتكاباته وعليه أن يتحمل مسؤولية، هذا الخطأ الكبير، حيث لا تنفع مرة جديدة سماع خبرية "لو كنت أعلم"، وهذا ما يحصل في فرنسا وستراتها الصفراء، فالمتظاهرون هناك لا يتهمون ماكرون بالسرقة والفساد، ولكن يحاسبوه ويطالبون برحيله بسبب خياراته الخاطئة.