ويقول مراقبون إن “أوجه الشبه بين أفغانستان وسوريا منعدمة، لذلك فإن الولايات المتحدة ربما تنسحب كليا من الأولى، لكنها حتما ستحافظ على موطئ قدم في الثانية”. ويضيف المراقبون “أن أي وجود أميركي في سوريا يعني بالضرورة حاجة ثابتة إلى إسناد دائم من داخل الأراضي العراقية”.
ويعسكر الجيش الأميركي في “عين الأسد”، وهي أكبر قاعدة جوية غرب العراق، وأقرب نقطة تجمّع عسكري إلى الحدود العراقية السورية. وبحسب ضباط عراقيين، أجرى الأميركيون تعديلات جوهرية على البنية التحتية لهذه القاعدة بشكل يحقق متطلباتهم الحالية، ويضمن لهم البقاء على الأمد البعيد.
لكن الولايات المتحدة لن تعزز وجودها العسكري الفعلي في العراق”بقدر العمل على تثبيته وضمان فاعليته”، وفقا لمصادر عراقية مطلعة على مناقشات قادة عراقيين مع الولايات المتحدة. وتتفق بغداد وواشنطن على عدم الحاجة إلى زيادة عدد الجنود الأميركيين في العراق، بعد القضاء على الجزء الأهم من المخاطر التي مثلها صعود تنظيم داعش، والتحسن الكبير في جاهزية القوات العراقية.
ولأول مرة، بدا أن العراق يتحدث بصوت واحد بشأن دخول جنود أجانب إلى أراضيه.
وردا على وسائل إعلام إيرانية روجت المعلومة، أعلنت وزارة البيشمركة رفضها دخول القوات الأميركية المنسحبة من سوريا إلى محافظة أربيل دون موافقة بغداد، مشيرة إلى أن دخولها بهذه الطريقة يعد انتهاكا لسيادة العراق.
وقال المسؤول البارز في قوات البيشمركة جبار ياور إن “ما تداولته وسائل الإعلام حول دخول القوات الأميركية المنسحبة من سوريا باتجاه القواعد الأميركية في أربيل غير دقيق وعار من الصحة”، لافتا إلى أن “أراضي كردستان لم تشهد أي دخول لقوات أميركية إطلاقا”.
وأكد ياور أنه “لا يمكن القبول بدخول القوات الأميركية القتالية المنسحبة من سوريا نحو القواعد الأميركية في أربيل دون موافقة الحكومة الاتحادية في بغداد”.
ويعتقد سياسيون عراقيون أن الولايات المتحدة تسعى إلى تدعيم الجبهة السياسية العراقية، لتتمكن من الصمود في مواجهة ضغوط إيرانية، تتزايد منذ بدء تنفيذ العقوبات الاقتصادية من قبل واشنطن على طهران.
ومنحت الولايات المتحدة للعراق استثناء جديدا لمدة 90 يوما، من تنفيذ العقوبات الأميركية على إيران، حالما انتهى الاستثناء السابق بالمدة نفسها، في مؤشر على تنسيق عال بين بغداد وواشطن، ومراعاة الثانية للظروف الدقيقة التي تمر بها الأولى على المستوى السياسي.
وضمنت بغداد الآن قدرتها على شراء الغاز الإيراني اللازم لتشغيل منظومة الكهرباء الوطنية، لمدة ثلاثة أشهر.
وتواصل وسائل إعلام إيرانية هجومها ضد أي تنسيق عراقي أميركي، فيما يطالب صحافيون عراقيون يعملون في وسائل إعلام مقربة من إيران، بغداد بإعلانها رفض الالتزام بالعقوبات الأميركية على طهران.
ويعتقد ساسة عراقيون مقربون من إيران أن الانسحاب الأميركي من سوريا علامة ضعف في موقف الولايات المتحدة، فيما يرى أصدقاء واشنطن في بغداد أن الإدارة الأميركية ربما نصبت فخا لكل من تركيا وإيران وروسيا، بعدما تركت لها أمر تصفية النزاع السوري، بالغ التعقيد، تحت ضغوط دولية كبيرة بشأن حقوق الإنسان وأوضاع الأقليات ومستقبل وحدة البلاد.
واعتبر مراقب سياسي عراقي أن وضع العراق يشكل حالة خاصة بالنسبة للولايات المتحدة، مقارنة بسوريا وأفغانستان.
وقال المراقب في تصريح لـ”العرب”، “لا أحد يمكنه أن يتساءل مثلا ما الذي تفعله القوات الأميركية في العراق؟ تلك القوات تحمي مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية الضخمة في العراق أولا، وثانيا هي موجودة لحماية وتثبيت نظام الحكم الذي اخترعته الولايات المتحدة ويبدو عاجزا عن الانتقال إلى مرحلة إثبات وطنيته، وهو ما يظهر جليا في تدني شعبيته”.
وأضاف “تخلت الولايات المتحدة عن وجودها في سوريا لأنه لا مكان لها هناك بسبب انعدام مصالحها أما في أفغانستان فإن الولايات المتحدة في طريقها إلى الاعتراف بفشلها عن وضع حدّ لوجود حركة طالبان التي هي أقوى من الحكومة هناك”.
واعتبر المراقب أن العراق الجديد هو صناعة أميركية بامتياز فإن الأميركان يخشون أن ينزلق من بين أيديهم إلى الحاضنة الإيرانية بشكل كلي فيكون حينها بمثابة المنقذ لإيران في مواجهة العقوبات المفروضة عليها. وهنا تكون المعادلة واضحة فمقابل الاطمئنان الذي توفره القوات الأميركية للحكومة العراقية على حاضرها ومستقبلها فإن على الأخيرة يقع واجب تنفيذ ما عليها من التزامات دولية من أجل عدم الإخلال بالعقوبات المفروضة على إيران. وهو ما لا تعارضه حكومتا بغداد وأربيل وإن كانت هناك أصوات موالية لإيران فإن إسكاتها ليس بالأمر الصعب. وهو ما يُفهم من خلال التلويح بمسألة عودة داعش إلى نشاطه المعادي.