تتعدد الأسئلة حول الأسباب الخفية (الفعلية)، التي أطاحت بالتشكيلة الحكومية، في اللحظات الأخيرة، ما قبل ولادتها. في الكواليس السياسية، همس كثير عن خديعة وأفخاخ قد نصبت، لكنها فشلت في النهاية بسبب سوء التقدير والإدارة. وحسب ما تكشف مصادر متابعة لـ"المدن"، فإن تسمية جواد عدرا كوزير تسوية مقترح عن اللقاء التشاوري، كانت أعدت ما قبل دخول اللواء عباس ابراهيم على خطّ التفاوض. جرى الإتفاق على إسم عدرا بين الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل، مع رضى من قبل رئيس مجلس النواب نبيه برّي.
الإنقضاض على "التشاوري"
إثر تبلور هذا الإتفاق، جرى اللجوء إلى اللواء ابراهيم للعمل على إنجاز المخرج وإتمام التسوية، باعتباره مكلفاً من قبل رئيس الجمهورية لحلّ أزمة الوزير السنّي. فتعاطى ابراهيم مع المفاوضات بحنكة واضحة، نجح فيها إدخال النواب السنة الستة، في مفاوضات فردية إلى حدّ ما. عند هذه النقطة تضعضع اللقاء التشاوري، وتباينت آراء أعضائه. فوجد ابراهيم المخرج بأن يسلّم كل نائب منهم إسماً يقترحه للتوزير، وهكذا كان النجاح في تشتيتهم، وعدم بقائهم صفّاً واحداً، ما سهّل الإنقضاض عليهم.
بالتوازي مع هذا المسار، كان المسار الآخر، الأساسي، قد أنجز، والإتفاق مع جواد عدرا تمّ من قبل الحريري وباسيل، وبرّي ضمناً. وهذا ما تصفه مصادر متابعة بأنه "صفقة ثلاثية" صيغت بين الحريري وبري وباسيل، من أجل إخراج الحكومة من عنق الزجاجة، وتسديد ضربة قاضية للقاء التشاوري. لكن حسن التدبير أسيئ بسوء التقدير والتنفيذ. فتضاربت توجهات الثلاثي، ما أدى إلى إفشال الخطّة، بسبب الطمع، والبحث عن تحقيق المزيد من المكاسب. هذا ما أعاد الأمور إلى نقطة الصفر، فيما أعاد النواب التشاوري استجماع أنفسهم، وتعلّموا درساً مما تعرضوا له.
الخديعة وغضب برّي
تكشف المصادر، أن الإتفاق بين باسيل والحريري وبرّي، تجلّى في نصب كمين للنواب السنة الستة. ويقضي بتوزير جواد عدرا من حصة رئيس الجمهورية، على أن يتم لاحقاً إنضمامه إلى تكتل "لبنان القوي"، وبذلك تكون الضربة القاصمة للقاء التشاوري، كما يكون باسيل قد ضمن مجدداً الأحد عشر وزيراً، والحريري بدوره نجح في عدم تمثيل النواب السنة الستة، وبرّي يكون قد سلّف الطرفين موقفاً يجب عليهما ردّ جميله في المقابل. إثر هذا التوافق الثلاثي وافق حزب الله على توزير عدرا وإن ليس بحماسة كبيرة.
فيما بعد، ثمّة من تنبّه للأمر، وأوحى لنواب اللقاء التشاوري، بأنه عليهم الإجتماع بعدرا وعقد تفاهم مبدئي معه، حول المرحلة المقبلة، واعتباره ممثلاً لهم في الحكومة. هنا حصل الخطأ في استكمال الكمين، إذ أن الرئيس نبيه برّي كان يفضّل حصول اللقاء بناء على الإتفاق الذي عقد، ويتم التوافق مع نواب اللقاء التشاوري بأن يكون ممثلاً لهم (وإن كان عدرا من حصة رئيس الجمهورية)، لكن الحريري وباسيل رفضا ذلك، وأصرّا على عدم لقاء عدرا بالنواب الستة، والتفاهم معهم بوصفه صوتهم داخل مجلس الوزراء.
هذا الأمر أغضب برّي إلى حدّ بعيد، إلى جانب عودة باسيل والحريري للمطالبة بتعديل الحقائب، بما يتوافق مع مؤتمر سيدر، على نحو أصبح الصراع على الحقائب، التي ستكون دسمة، بفعل مقررات المؤتمر، الذي يرصد لوزارات البيئة، الزراعة، والصناعة أموالاً وفيرة. وهذا ما دفع برّي أيضاً إلى مضاعفة غضبه من الحريري، الذي زاره.. ولم يكن اللقاء إيجابياً.
كلام الفيدرالية وهدوء حزب الله
يعلّق أحد المتابعين على خطأ الحريري - باسيل في تخريج الكمين وإنجازه، بأنهما قد وقعا في شرّ أعمالهما، ويرى أنه كان يجب عليهم إنتظار إظهار التوافق مع عدرا إلى ما بعد تشكيل الحكومة، ونيلها الثقة، وبالتالي يكون "من ضرب قد ضرب، ومن هرب قد هرب". وحينها يصبح عدرا محسوباً على رئيس الجمهورية، ويصوت وفق تصويت كتلته الوزارية. وكان يجب أن يسمحا له باللقاء مع نواب اللقاء التشاوري، لتسجيل الهدف كاملاً في المرمى.
لا شك أن ما جرى، يرخي بظلال كثيرة على العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ. وتكشف مصادر متابعة أن ما يجري في الساعات الأخيرة بين الطرفين، متقدّم كثيراً في السوء، إذ أن باسيل لا يكف عن تحميل حزب الله مسؤولية عرقلة الحكومة، ويصعّد من لهجته في مجالسه الخاصة تجاه الحزب، وصولاً إلى الكلام عن رفض السيطرة، وبأنهم وصلوا إلى رئاسة الجمهورية إستناداً إلى "قوتهم" (التيار الوطني الحر)، وليس إلى قوة حزب الله، ولا يمكن للحزب أن يستمرّ في تمنينهم، ولو وصل الأمر إلى التلويح بالكلام عن الفيدرالية، أو أن "يعزز الشارع المسيحي قوته في بيئته، ولا يستند إلى قوة الآخرين". هذه كلها رسائل تصل إلى حزب الله، الذي يتابعها ويقرأها بعناية، لكنه يشدد على الهدوء في التعاطي معها، بحثاً عن حلّ ممكن مع رئيس الجمهورية وليس مع رئيس التيار الوطني الحرّ.