إستضاف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الإيراني حسن روحاني والوفد المرافق المشارك في الإجتماع الخامس للمجلس الإستراتيجي للعلاقات الإيرانية التركية في إسطنبول بمستوى عالٍ وحميم جداً.
وخلال كلمته قرأ أردوغان بيتاً من قصيدة حافظ الشيرازي باللغة الفارسية يقول: "إغرس شجرة الصداقة ليوصل القلب إلى مراده واقلع شجرة الحقد التي تتبعه تعب بلا حدود."
ولم تكن كلمة الرئيس روحاني أقل مجاملة من كلمة مضيفه التركي وإن كانت تخلو من أبيات لشعراء الترك ربما بسبب تعقيد اللغة التركية. ولكن ما يجري وراء تلك المجاملات والكلمات المعسولة ربما لا يتطابق معها بالرغم من ان هناك ضرورات اقتصادية وسياسية تلزم الطرفين بالإحتفاظ بالعلاقات وربما تطويرها ضمن حدود محددة.
أظهر الطرفان خاصة خلال العقد الأخير بأنهما قادران على التحكم بالخلافات والسيطرة على أعصابهم بل وتقريب وجهاتم في الآراء. هذا ما شهدناه بشكل خاص في موقف أردوغان من القضية السورية ولم ننسَ كلماته النارية ضد قادة إيران وإلقاء اللوم عليهم في دفاعهم عن بشار الأسد.
ولكن ذاك الخلاف السياسي الحاد بين الطرفين لم يفسد في الود قضية. وشهدت العلاقات الاقتصادية والتجارية نمواً خلال تلك الفترة حتى قرر الرئيس أردوغان الإنضمام إلى المحور الإيراني الروسي وتغيير أرضية اللعبة. ذلك لأن اردوغان لا ينظر إلى السياسة كأمر ثابت ويبدي مرونته حيثما تتطلب مصالح بلاده. ولهذا لا يمكن التعويل على مواقفه الملحمية إن في شأن القضية الفلسطينية أو السورية وحتى فيما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة. فإنه ليس رجل المقاومة وإنما هو رجل الصفقات والمصالحات. ولهذا تغاضى عن دماء شهداء سفينة مرمرة وأعفى القس الأميركي المتهم بالتورط في الانقلاب العسكري وحتى انه التزم بالعقوبات الأميركية الجديدة التي أعادها ترامب على إيران في مجال النفط حيث امتنعت تركيا عن شراء الخام الإيراني منذ شهرين وربما ستستأنف شراء النفط من إيران بعد اعفاءها من قبل الولايات المتحدة في حين أن الهند والصين على سبيل المثال لم تتوقفا عن شراء نفط إيران رغم أنف الرئيس ترامب.
وللمناسبة فإن تلك الانتهازية التي نعهدها من أردوغان، قد تمكن هو من ترجمته وتطبيقه حرفياً خلال قضية مقتل خاشقجي.
إقرأ أيضا : وزير دفاع أميركا استقال .. بربّكم كم مسؤول لبناني استقال؟
وبالرغم من أن هناك ضرورات واقعية جيوسياسية واقتصادية تخيم على العلافات بين الطرفين إلا أن الطرفان ينطلقان من ضرورات مرحلية لترتيب العلاقات فيما بينهما. فإن إيران تعيش عقوبات قاسية ضيّقت الخناق عليها وتحتاج إلى تدوير تلك العقوبات وفي المقابل تنظر تركيا إلى جارتها الفارسية كورقة رابحة للضغط على الولايات المتحدة والحصول على نقاط منها.
فإيران تربط سياساتها بحسابات أيديولوجية أبدية لا تتنازل عنها وتفضل البقاء خارج الألعاب الدولية وبعيداً عن الصفقات في حين أن جارتها تلعب داخل المحيط الدولي وتجيد قواعد اللعبة. وفق تلك القواعد يبدو من المستحيل أن تفضل تركيا إيران على أمريكا بالرغم من أنها لا تخسر الربح الهائل الذي تحصل عليه في العلاقات الاقتصادية مع طهران.
إن بناء العلاقات الإستراتيجية بين البلدين يتطلب تكوين نظرة إيجابية للآخر وليس إخفاء الحقد للآخر واللجوء إلى قصائد الشعراء الكبار.
فساحة السياسة هي أبعد ما تكون عن الشعر الذي يقول فيه الإمام علي: "إن أحسنه أكذبه."