بات التوتر (الإجهاد) أو الـstress كلمة شائعة يستخدمها الجميع دون أن يفهموا ماذا تعني. رغم كونه وظيفة أساسية في حياتنا اليوميّة، غالباً ما نستخدم مصطلح "التوتر" بمعنى سلبيّ. إنّ التوتر رد فعل جسدنا للتكيّيف مع مخاطر وقيود محيطنا، وهذا التفاعل ليس فقط مفيداً بل ضروري لصمدنا وتخطينا المخاطر. إنّ العيش دون توتر شبه مستحيل.
بيولوجيا، يوجد هرمونان مسؤولان عن التوتر: الكورتيزول والأدرينالين. في حالات التوتر الحاد، يفرز جسدنا الأدرينالين ويعطينا قدرة التصرف ومواجهة سبب التوتر. الكورتيزول، وهو هرمون أبطأ من السابق، يلعب دوراً في الإجهاد المزمن كونه يعطينا قدرة تحمّل الإجهاد. إنّ هذا التوازن الطبيعي الدقيق يوجد عند جميع الثدييات ويعمل كوسيلة تكييف فعّالة لمكافحة من الضغوطات العديدة في الحياة.
غير أن إذا قدّمت الطبيعة لنا التوازن، فهي أخفت عنّا المساواة. لذلك يمكن للحالة المعيّنة نفسها أن تخلق التوتر عند فرد أو اللامبالاة عند فرد آخر. ومماثلة، يمكن لشخص معيّن مواجهة، في وقتين مختلفين من الزمن، حالة التوتر نفسها ويظهر ردود فعل مختلفة.
ومع ذلك، يمكن في بعض الأحيان أن تتعطل وسيلة التكييف هذه وتتسبب ضرر لا يمكن إصلاحه. وهذا هو حال الاضطرابات المتعددة التي يمكن أن تؤثّر الإنسان جسدياً (الخفقان، الرجفة، التعرق، التشنجات...) ونفسياً (العصبية، الإنزعاج، القلق...) وسلوكياً (الإنعزال،الخجل، تجنب المواقف...). ويمكن لهذه الأعراض، وفقاً لشدّتها وترددها، أن تتحول إلى أمراض حقيقية وسوف كالقرحة والتهابات وأمراض القلب والصداعات والاكتئاب واضطرابات النوم وغيرها. ومن هنا تنبع خطورة الإجهاد والتوتر.
لقد باتت أمراض الإجهاد في أيّامنا هذه أمراض العصر الحديث، وبات الإجهاد في العمل آفة هائلة تحاول الشركات تخفيضها على قدر إستطاعتها بغية زيادة كفاءات وإنتاج عمّالها. ولهذه الأسباب، دخل علماء النفس العالم المهنيّ وأصبحوا جزءاً أساسيّاً في العمل.
تستند إدارة الإجهاد والتوتر على مكونين أساسيّين: أوّلاً، على نمط حياة يناسب ويتكيّف مع ساعات الجسد البيولوجية؛ وثانيّاً، برامج العلاج السلوكي والمعرفي التي تؤدي إلى راحة جسدية وتعرّف الفرد على استراتيجيات تفكير معينة لمحاربة الأفكار المؤذية وغير الفعالة.
ما زال الإجهاد يطرح العديد من الأسئلة حول الحياة وقدرة الإنسان على البقاء ومهاراته في التأقلم، فهو النموذج المثالي الّذي يظهر النضال بين الإنسان وبيئته.