يبدو أن “التيّار الوطني الحر” بدأ يقع في شباك السلطة التي كان يشكو منها، وبات يحتاج إلى مراجعة ذاتية في خلوة فكريّة ومبادئيّة. كثير من خطاب التيار تبدّل مع الوقت. صحيح أن السياسة ليست جموداً، بل مجاراة للواقع، لكن ثمّة نقاطاً تدخل في باب المبادئ ولا يمكن أن تكون متبدلة.
أن يُعلن العماد ميشال عون من الرابية أنه لا يحقّ للرئيس ميشال سليمان بأي وزير في الحكومة طالما أن الدستور لم ينص على ذلك، هذا مبدأ والتزام للدستور. وأن يتمسّك الرئيس عون بحصّة وزاريّة بعد ذلك ويعتبرها من المُسلّمات، فهذا إسقاط للمبدأ.
أن يُطالب التيّار بالفصل ما بين الوزارة والنيابة، هذا مبدأ، وأن لا يلتزمه باستمرار، فهذا إسقاط للمبدأ. وأن يُعلن ضرورة عدم توزير الراسبين في الانتخابات ثم يُبدّل الموقف بعد الاستحقاق الانتخابي، فهذا إسقاط للمبدأ.
اليوم، بدأ الحديث عن تمديد وتجديد واستيلاء على السلطة. فقد أعلن النائب ماريو عون حرفيّاً: “نحن نطمح إلى تعديل دستوري يسمح بالتجديد للرئيس عون عند انتهاء ولايته الرئاسيّة بعد 4 سنوات، وفي مرحلة لاحقة يطمح فريقنا السياسي إلى الاستمرار في الحكم عبر رئيسه أو أي شخصيّة يختارها فريقنا. لذلك لن نُجاري الآخرين في خياراتهم”.
وإذا كان كلام النائب ماريو عون يُعبّر فعليّاً عمّا يدور في خلد “التيّار” فإنّه يكون وقع باكراً في الفخ، أي في الجانب السيّئ للمارونيّة السياسيّة الذي خرّب البلد من جرّاء الطمع المُتمادي في التمديد والتجديد لدى معظم العهود الرئاسيّة.
والأنكى أن التفكير بهذه الطريقة، إضافة إلى انّه يضرب صدقيّة الرئيس ميشال عون المُتمسّك بالدستور والمطالِب بتطبيقه، (رغم ضرب هذا الدستور مرّات عدّة من بيت أبيه)، فإنّه يفتح معركة الرئاسة منذ اليوم، وهي التي فتحت نافذتها بكلام سابق عن بدء الوزير جبران باسيل معركته الرئاسيّة، وباكراً. هذه المعادلة لن تجعل عهد الرئيس عون ينطلق في أساسه لأنّه سيُعامل كمطيّة أو جسر للعهد المقبل. وهو ما لا يرضاه لبنانيّون كثر للعهد ولسيّده.
فالرئيس عون، قبل الرئاسة، عارض كل أنواع التمديد أو التجديد، وهو في الأعوام الأخيرة، رفض فكرة التمديد للرئيس ميشال سليمان، ورفض التمديد لقائد الجيش جان قهوجي، وعارض التمديد المُتكرّر لمجلس النوّاب، لأنّه اعتبر هذه الأفعال تضرّ بانتظام عمل المؤسّسات، ولجأ إلى الطعن أمام المجلس الدستوري.
حيال هذا الواقع، وعشيّة إعلان “حكومة العهد الأولى”، قد يكون مفيداً وضروريّاً، بل مُلحّاً، أن يؤكّد الرئيس عون التزامه الدستوري، وهو الذي أقسم اليمين الدستوريّة، وينفي كل ما يتردّد، وما يُردّده أعضاء في كتلته النيابيّة، فينقذ السنوات الثلاث المقبلة من عهده، ويحضّر لإنجازات لا ترتبط بعدد السنين، بل بتأثيرها على حاضر البلد ومستقبله، فيذكره اللبنانيّون على الدوام، كما يذكرون الرئيس فؤاد شهاب الذي أنشأ المؤسّسات التي قامت عليها الدولة اللبنانيّة، وتتابع عملها إلى اليوم.
قد يكون كلام النائب ماريو عون خطأ يمكن العودة عنه، لكن الصمت عنه، أو تجاهله، أو تبنّيه، هو الخطيئة بعينها، وهي من النوع المُسمّى “خطيئة مميتة” لأنّها ستستنفر كل العصبيّات والحسابات المقابلة لمواجهته ومنعه من التقدّم ولو خطوة. وهو ما سيسجّله التاريخ عن فشل العهد القويّ والرئيس القويّ.