زيارة عمر البشير إلى دمشق أعادت إلى أذهان مراقبي الوضع السوري المواقف حول عودة نظام دمشق ورئيسه إلى طاولة اجتماعات الجامعة العربية، فهناك دولاً منذ إبعاد هذا البلد عن مقعده في الجامعة العربية، بسبب حرب رئيسه ونظامه على شعبه، تطالب بعودته، ومنها الجزائر، والعراق، ولبنان، يسبب هيمنة وتأثير «حزب الله» على السياسة اللبنانية. كما أن هناك موقف مفاجئ لوزير خارجية البحرين، عندما التقى نظيره السوري وليد المعلم، في نيويورك على هامش اعمال الجمعية العامة للامم المتحدة. وقال إنه يؤيد عودة النظام إلى الجامعة العربية، ورئيس البرلمان العربي أيضاً عندما أعلن عن موقف مشابه.
وهناك دولاً مثل مصر تتبنى ولو من دون إعلان، هذا الموقف. كما أن هناك كلاماً يتردد عن دعوة لبنان بشار الأسد إلى حضور القمة الاقتصادية العربية. ولكن لبنان لا يمكنه توجيه دعوة إلى الأسد إذا لم ينسق مع الجامعة العربية، فيجري التحضير لهذه القمة عبر تنسيق بين لبنان والجامعة التي لم تتخذ بعد بالإجماع هذا القرار. فربما يكون هذا النقاش في القمة العربية المقبلة في أذار (مارس) المقبل، في تونس.
ويجدر السؤال عندئذ: ما هوسبب إعادة نظام دمر بلده وشرد ملايين منه، إلى دول عربية أخرى مثل لبنان والاردن، واعتمد الإرهاب والقتل بالبراميل والتعذيب إزاء أي معارض بالكلمة والقلم أو مطالب بالحرية. وعودته إلى الجامعة العربية قد تعني تدخل روسيا وإيران في شوؤن هذه الجامعة، التي لا تنقصها المشاكل والانقسامات.
فجاء عمر البشير يزور أخيه الأسد على متن طائرة روسية على غرار تنقلات الأسد من دمشق واليها، فهل يعود لحضور قمة عربية على متن طائرة تحمل العلم الروسي وموكبين روسي وإيراني يحميانه كما يحميان نظامه. أن الإدارة الأميركية عبر مبعوثها إلى سورية السفير جيمس جيفري قالت إنها لا تعمل لتغيير النظام، وهي ليست معنية بذلك، إنما أعربت للجامعة العربية عن رأيها بان عودة النظام إلى الجامعة في هذه المرحلة غير فاعل. والمبعوث الفرنسي إلى سورية فرانسوا سينيمو، زار مقر الجامعة في القاهرة منذ فترة وجيزة، وأعرب عن الرأي نفسه، بأنه من السابق لأوانه عودة سورية إلى الجامعة قبل أن يوافق النظام على المشاركة في الحل السياسي. والمسوؤلون الروس يدعون أنهم ليس لهم قدرة على تغيير موقف النظام من الحل، ومن تسليم لائحة أسماء اللجنة الدستورية، علما بانه خلال القمة الرباعية في اسطنبول وافقت روسيا وتركيا وفرنسا وألمانيا على ضرورة إنشاء هذه اللجنة، ولكن روسيا لم تلتزم قرار القمة الرباعية، وهي عدلت موقفها في أستانا لاحقاً. أما حجة بعض الدول العربية من ان إعادة العلاقة الديبلوماسية مع هذا النظام تعيد الدور العربي إلى هذا البلد، بعدما هيمنت عليه إيران وروسيا، فهذا منطق خاطئ، لأن سورية ليست العراق، فالأسد سلم أمره ونظامه وبلده لإيران والجيش الروسي، والعلاقة مع إيران لن تتفكك ولن تتغير، فهي قديمة منذ حافظ الأسد، وهما شركاء في الإرهاب إينما كان في العالم العربي. وفي طليعة الشراكة لبنان حيث «حزب الله» ساهم بشكل كبير في إنقاذ النظام السوري وأرسل أبناء الشعب اللبناني يقتلون أشقائهم السوريين ويُقتلون من أجل إيران وولاية الفقيه.
أن من يعتقد ان إعادة التطبيع مع هذا النظام لأنه انتصر على «الإخوان المسلمين» يخطأ في نظرته، لأن التغلغل الإيراني على الأرض السورية خطر آخر، وأصبح واقعاً في عدد من المدن السورية التي أفرغها الأسد وملأها بالسكان الإيرانيين. فهناك روايات عدة لبعض مالكي مزارع قرب دمشق أن ممتلكاتهم أصبحت في يد مدنيين إيرانيين، استملكوا المزارع ويعملون فيها. فالضغط الروسي على بعض الدول النافذة في المجتمع الدولي للعودة إلى سورية وإعادة الإعمار فيها قبل الحل السياسي وعودة النظام السوري، إلى الجامعة العربية مع شعور بنشوة الانتصار على شعبه وتدمير بلده ينبغي الا تحدث في مثل هذه الأوضاع، مع وجود ملايين من الشعب السوري مهجرين وفي حال مزرية أينما كانوا. وعلى دول الجامعة العربية أن تكون بالغة الحذر بالنسبة لمثل هذا القرار، طالما ليس هناك حلاً سياسياً مقبولاً من جميع الأطراف السورية مع مستقبل أفضل، ما يقدمه حالياً النظام تحت النفوذ الإيراني والروسي.