لا يتناسق الحدث مع الادّعاء ولا يليق به! أي بمعنى أفصح وأوضح، لا تعني زيارة عمر البشير إلى بشّار الأسد خرقاً من النوع الذي يؤكد "عودة" بقايا السلطة في دمشق إلى "المجتمع العربي" ولا استحواذها على شرعية ما خارجياً، تعويضاً عن خسارتها داخلياً.. وفوق ذلك لا تعطي الزيارة أي قيمة لادعاء البراءة (الأخلاقية) من ارتكابات منحطّة لم تترك شيئاً من أشياء الاجتماع البشري إلا وانتهكته بداية ونهاية!
يذهب البشير إلى بشّار لأنه يريد شيئاً آخر من غير بشّار! وهو المعروف بكثرة تحوّلاته وتقلّباته وتشاطره في اللعب على التناقضات بما يضمن له في كل مرّة مردوداً ما.. وإذا لم يتأمن المردود يرتدّ إلى الخلف وعلى المكشوف!
وهذه تُسمى "سياسة" مع أنها انتهازية! وتُسمى بحثاً مشروعاً عن المصالح تعتمده كل دول العالم لولا أن "مصالح" السودان عند بشّار الأسد بالكاد يمكن رؤية شيء منها! ولولا أنه ليس للزائر ما يقدّمه وليس للمضيف ما يعرضه! والاثنان في كل حال يلتقيان عند خلاصات متشابهة: لم يعد السودان مع البشير مثلما كان عليه قبله! ولم تعد سوريا مع الأسد الابن مثلما كانت عليه قبله! وليس افتراء على "الزعيمين" الخلوص إلى نتيجة مشتركة وعامّة مفادها أن السودانيين والسوريين كانوا أول ضحايا "سياسة" كلٍّ منهما.. "الحصيفة" و"الذكية" و"البعيدة النظر"!
يُفهم مثلاً، أن تُراعي كل دولة شؤون علاقاتها مع محيطها الحدودي المباشر وبما يحفظ مصالحها الكبرى والعليا، وأن تناور سلماً أو حرباً تحت ذلك السقف وبفعل الجغرافيا وأقدارها وشروطها.. ويُفهم أيضاً، أن تتخطى بعض الدول والأنظمة، في علاقاتها مع العالم الأوسع، قيماً إنسانية وأخلاقية، في سبيل مكاسب سيادية ووطنية شاملة تكتيكية أو استراتيجية، اقتصادية أو تسليحية أو سياسية.. لكن ما هي "القضية" الثقيلة التي تحمل الرئيس السوداني إلى بشّار الأسد؟! وما هي "الإشكالات" الكبرى العالقة بين البلدين التي تستدعي الزيارة؟! وما هو الدافع الخطير الذي يستوجب توجيه "إهانة" إلى كل ضحايا التركيبة الأسدية، السوريين واللبنانيين والفلسطينيين؟! وهل يستحق الثمن (الفرعي) المدفوع أو المطلوب من جهة ما (؟)، الإقدام على خطوة مثل هذه تعني، برغم هشاشتها ومسرحتها وضحالتها وكاريكاتيريّتها كسراً لإجماع شبه تام عربي ودولي يقضي أقلّه (وشكلياً!) بمقاطعة "رئيس" دمّر "بلده"! وهجّر "مواطنيه"! وارتكب من المخازي والفظاعات ما لا يمكن حصره بعجالة؟!
.. يحاول الأسد جاهداً مواظباً لجوجاً أن يعاود الاطلالة على الخارج باعتباره لا يزال "رئيساً شرعياً" ومنتصراً على "مؤامرة كونية". ويركّز في سعيه هذا، على النافذة اللبنانية باعتبارها ممكنة ومتوفرة بهمّة مُريديه وأتباعه السكارى بـ"حكمته" في لبنان.. وكان يكفيه ذلك من دون إضافة آتية من بعيد! ولن تفعل شيئاً في كل حال، أكثر من الذي يفعله هؤلاء المريدون اللبنانيون!