إيران دولة دينية. لا قيمة للمؤسسات فيها ما لم تكن مدعومة من قبل المرشد الأعلى. هي إذاً دولة مرشد وليست دولة مؤسسات. تبعا لذلك فإن لإيران سياساتها التي لا تشبه في شيء سياسات الدول الحديثة، وهي في ذلك إنما تعبر عن التزامها العقائدي.
تزن إيران سياساتها بميزان عقائدي خاص بها. وهو ما يمكن أن تتنازل عنه إذا ما تعلق الأمر بمصالحها. وهو ما كان واضحا في علاقتها بالغرب. لم تتخلّ إيران عن مبدأ “تصدير الثورة”. ما يعني تصدير مشروعها الطائفي إلى المنطقة بما يؤدي إلى التدخل في شؤون دول المنطقة. في ضوء ذلك الالتزام عملت إيران على إنشاء ميليشيات تابعة لها في الدول التي استطاعت أن تتغلغل فيها.
وإذا ما كان الاحتلال الأميركي للعراق قد فتح الباب لأحزاب الموالية لإيران للسيطرة على السلطة، فإن كسل النظام السياسي العربي سمح لإيران في التمدد في لبنان من خلال حزب الله. إيران التي تصر على أنها لن تغير سياساتها في المنطقة لم تكن غامضة في ما تنوي القيام به. وإذا ما تذكرنا شعار الخميني “الطريق إلى القدس يمر بكربلاء” فإننا سنكون على بينة من المشروع الإيراني.
ولم تكن حرب الثماني سنوات التي خاضتها إيران ضد العراق إلا تجسيدا واقعيا لذلك المشروع الذي لم يتخلّ عنه الإيرانيون حتى اللحظة. بالنسبة للعرب فقد كانت إيران دائما عدوّا صريحاً ومباشراً. حتى أن الإيرانيين يتأسفون لأن بيت الله لا يزال في مكة التي هي جزء من الأراضي السعودية. لقد قالت إيران كل شيء في ما يتعلق بسياستها في المنطقة.
هي دولة توسعية لا تحترم القوانين الدولية ولا الأعراف الدبلوماسية في العلاقات بين الدول، ولأنها قد نصبت نفسها وصية على أتباع المذهب الشيعي فإنها ترى أن لها حقا في التدخل في شؤون الدول التي يقيمون فيها. هذه هي إيران بكل شرورها وليس هناك ما تقدمه سوى الشر. كانت ولا تزال وستبقى كذلك ما دام نظام الملالي قائما فيها. فهل يحق لنا أن نلومها على ما حدث لعالمنا العربي؟ أليس من الأولى أن نلوم أنفسنا؟ العيب فينا وليس في إيران.
في وقت مبكر من عمر نظام آيات الله انتبه العراق إلى خطورة المشروع الإيراني، وكانت دول عربية عديدة على بيّنة من ذلك الخطر الذي يهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي خطوة أولى في الطريق الذي رسمه الخميني لاقتلاع الشرق العربي من جذوره العربية.
لقد وقفت تلك الدول مع العراق ثقة منها بأنه الحارس الأمين الذي في إمكانه أن يصد رياح الشر القادمة من إيران. ولكن ما جرى بعد غزو العراق للكويت عام 1990 أطاح بتلك المعادلة، فصار المأزق الذي وقع فيه العرب يومها فرصة لإيران لكي تستعيد أنفاسها وتبدأ بنشر أذرعها في ظل صمت عربي امتد لأكثر من عقدين من الزمن.
لم يستيقظ العرب إلا بعد أن صارت إيران تفاخر بأذرعها الممتدة من البحر المتوسط حتى البحر الأحمر، مرورا بالعراق الذي صار ملكا صرفا لها. كان ذلك مشهدا فجائعيا أدرك العرب أنهم صنعوا الجزء الأكبر منه.
لم يكن تعاملهم السابق مع النظام الإيراني يرقى إلى مستوى عدوانيته التي لم تكن خافية على أحد منهم. فضلوا الانتظار على اتخاذ الإجراءات الرادعة التي اضطروا إلى اللجوء إليها بعد أن تيقنوا أن لغة العقل بالنسبة لإيران هي أشبه بطلب المستحيل.
كانت إيران صريحة في مشروعها القائم على تدمير مقومات الأمن والاستقرار في دول بعينها من خلال بث الفتن الطائفية. وحين يعلن وزير خارجيتها من الدوحة في تحدّ صريح للعقوبات الاقتصادية أن بلاده لن تغيّر سياستها القائمة على التوسع والعدوان، فذلك معناه أن العالم العربي لا يزال في جزء منه غير مدرك لخطر المشروع الإيراني. وهو ما يؤكد أن العيب فينا وليس في إيران.