بالأمس، نظّم الحزب الشيوعي اللبناني تظاهرة في وسط بيروت، إنطلقت من أمام مبنى المصرف المركزي إلى السراي الحكومي، إحتجاجاً على الوضع الإقتصادي المتردي والفساد المستشري والإنهيار القادم.
وكعادة تظاهرات الحزب، رُفعت شعارات ويافطات ضد الحكومة والسلطة وحيتان المال، وطالب المتظاهرون بإسقاط النظام في لبنان، لأنّه مسؤول عن الواقع المأساوي الذي نعيشه.
وتأتي تظاهرة الشيوعي في لحظة طبيعية أولاً لأي بلد يُعاني إقتصاده من أزمات قاسية ويُسجّل معدلات نمو تعادل 0.5% تقريباً، لذلك فهي مظاهرة طبيعية من حيث السياق والتوقيت إلى الآن.
كذلك فإن معظم الشعارات التي رفعها الشيوعي، من العدالة الإجتماعية وخفض أسعار الدواء ومعالجة الأزمات المعيشية اليومية وغيرها هي شعارات يتفق عليها جميع اللبنانيين ويطالبون بإيجاد حلول لها، لذلك فهذه الشعارات هي مطالب وطنية بالدرجة الأولى بعيدةً عن التسييس أو الإستغلالات الطائفية.
أضف إلى ذلك، أن الحزب الشيوعي دعا الجميع إلى التظاهر يوم الجمعة المقبلة، للضغط على السلطة الحاكمة لمعالجة الأزمة، وهو بهذه الخطوة يُعطي حراكه سمة الإستمرارية والذي يُضفي المزيد من الزخم عليها، وهو أيضاً يقول أنه بدأ يستفيد من تجربة "السترات الصفراء الفرنسية" ولو بالشكل ، لكن النتائج وحدها المعيار لمدى مصداقية ما يقوم به الشيوعي وإذا ما كان سيُتابع حتى آخر نفس.
إقرأ أيضًا: الدكتور سامي علوية: من يحرص على أرزاق موظفي معمل ميموزا عليه أن يحرص أيضاً على أرواح مرضى السرطان
بالمقابل، هناك ملاحظات يجب أن تُسجل على حراك الأمس وتثير العديد من الأسئلة.
فقد ضمّت مسيرة الشيوعي نشطاء ونخب ثقافية وسياسية وإعلامية مقرّبة لقوى سياسية موجودة في الحكومة الحالية وبالتحديد لحزب الله، الذي أثارت موقف نائبه في زحلة أنور جمعة يوم الجمعة حول قضية الإفراج عن صاحب معمل ميموزا العديد من علامات الإستفهام حول جدية الحزب في مكافحة الفساد.
وإن كان لا يوجد مشكلة في مشاركة مواطنين حزبيين متضررين فإن مشاركة شخصيات بمستوى نخب يُعطي إنطباعات خاطئة.
كذلك، التخبّط في مواقف المتكلمين والتناقضات ومحاولة التصويب على جهات معيّنة وغياب الخطاب الموحّد ضد السلطة.
أيضاً، فإن المشروع الواضح وخطة العمل إلى الآن لم تظهر بشكل واضح، وطريقة طرح الشعارات وغياب الحلول البديلة لم تكن موجودة في كلمات المنظّمين، بل تكرار لكلام شعبوي وكأننا على أبواب الإنتخابات.
لذلك ، على الحزب الشيوعي أن يُدرك أننا على أبواب الإنهيار الإقتصادي لا أبواب الإنتخابات، وعليه أن يتصرف بهكذا عقلية وأن يكون على مستوى الحدث.
إقرأ أيضًا: الكهرباء بتجي دقيقة وبتقطع ساعات بمنطقة بنت جبيل
أما النقطة الأبرز في كل هذا الحدث، هو مطلب إسقاط النظام، وهل أن الشيوعي جادّ في هذا المطلب؟
لا شك أن أدبيات وكتابات وتنظيرات الحزب هي في هذا الإتجاه ، لكن تحويل هذا الشيء إلى خطة وإستراتيجية هو ما ينقص الشيوعي حتى الآن بغض النظر عن صوابية النظرية، وبالتالي هذا ما يُفقد الشيوعي مصداقيته.
فالشيوعي اليوم يبدو أنه حاجة للنظام لا يزعجه بل يؤدي خدمات له، عن قصد أو دون قصد، إذ أن أي نظام فاسد في العالم لن يحلم إلاّ بمعارضة على شاكلة الحزب الشيوعي، تتذكر هموم الناس في المواسم ولا تنفتح على باقي مكونات المعارضة في الإنتخابات بل تقوم بضرب هذه المعارضات.
وبالتالي، فإن الشيوعي غير جاد في مطلب إسقاط النظام بل هو يُدغدع مشاعر جمهوره ومحبيه بهذا الشعار فقط.
حيث أن أداء الحزب الشيوعي اللبناني، بشعاراته وقادته ونخبه وتحالفاته مع بعض قوى السلطة، عاجز في الضغط على هذا النظام لتحقيق مطالب حياتية ومعيشية يومية، فكيف سيُغيّر النظام؟
مع هذا لا بد للحزب الشيوعي أن يتقارب مع باقي مكونات المعارضات لتشكيل جبهة واسعة وعريضة مع خطة عمل واضحة لتحقيق المطالب اليومية للمواطن كأولوية قبل رفع شعارات تعجيزية.