الرئيس الفلسطيني يخشى من اتفاق هدنة بين حماس وإسرائيل ينهي علاقة غزة بالضفة الغربية.
 
يستنجد الرئيس الفلسطيني محمود عباس “أبومازن” عبر زيارة الأردن، الثلاثاء، تعقبها بأيام زيارة إلى القاهرة، لتأمين الدعم من عاصمتين عربيتين لمنع انهيار السلطة الوطنية الفلسطينية، عقب توالي الإجراءات الإسرائيلية الرامية إلى تقويضها، وتمهيد الطريق لتدشين صفقة القرن، والاعتماد على إنهاء العلاقة بين قطاع غزة والضفة الغربية.
 
ويتزايد القلق داخل أوساط السلطة الفلسطينية من تداعيات الأحداث في الضفة الغربية، والاجتياحات الإسرائيلية التي وصلت إلى أبواب “المقاطعة” المقر الرسمي للرئيس الفلسطيني، واستمرار الاستيطان في مناطق يفترض أنها تتبع إداريا للسلطة الفلسطينية.
 
ويخشى عباس أن تصل التفاهمات الإسرائيلية مع حماس عبر وسطاء إقليميين ودوليين إلى هدنة طويلة المدى في غزة مقابل تمكين حماس من إدارة القطاع، وامتداد وقف الاشتباك في غزة إلى الضفة الغربية، وبالتالي تقويض السلطة الرمزية التي تمتلكها الحكومة الفلسطينية وتأجيل الحلول النهائية للقضية الفلسطينية، وهو ما يناسب إسرائيل في ضوء عجزها عن فرض الضمّ الكامل للضفة الغربية أو التقدم في مشروع الانفصال ومنح الفلسطينيين استقلالا منقوصا، بطريقة أعلى من حكم ذاتي وأقل من دولة.
 
إلا أن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، عبر، الأحد، عن استعداده للقاء عباس في أي مكان للتباحث حول ترتيب لقاء فلسطيني موسع والاتفاق على أجندات العمل الوطني للمرحلة القادمة.
 
واعتبر هنية في كلمة ألقاها خلال مهرجان مركزي نظمته حماس في ذكرى تأسيسها غرب غزة “أن الضفة اليوم تقول إنها لن تكون منطلقا لصفقة القرن، بل مقبرة لصفقة القرن، واتهام الاحتلال لغزة بتوجيه العمليات في الضفة فخر لا ندعيه وتهمة لا ننفيها، إن رجال الضفة ليسوا بحاجة إلى توجيه”.
 

وتعتبر المملكة الأردنية المتضرر الأكبر من التمادي في التصعيد الإسرائيلي بالضفة الغربية أو انهيار السلطة الفلسطينية، التي تعدّ نواة للاستقرار، لأن الأردن يرتبط بحدود مباشرة مع الضفة، وهو ما يفسر سبب حرص الرئيس الفلسطيني على التشاور دوما مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بشأن خطورة استمرار التصعيد في الضفة الغربية.

وينتظر أن يلتقي الرئيس الفلسطيني بالعاهل الأردني، الثلاثاء، فيما ذكرت مصادر فلسطينية عن لقاء مرتقب بين أبومازن والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في القاهرة، مطلع الشهر المقبل، لبحث إيجاد صيغة عربية مشتركة لمواجهة إسرائيل والتشاور بشأن نتائج مواصلة التصعيد الإسرائيلي والتي يمكن أن تلحق ضررا بالغا بالمنطقة.

وأعلن وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، أن جامعة الدول العربية وافقت على طلب تقدمت به دولة فلسطين لعقد اجتماع طارئ على مستوى المندوبين لبحث التصعيد الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني وقيادته.

وأوضح المالكي أن فلسطين ستقدم مشروع قرار لمجلس الجامعة يتضمن عددا من التوصيات والاقتراحات، تشمل “التصعيد الإسرائيلي، والموقف المرتقب لرئيس البرازيل بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والاعتراف الأسترالي بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل”.

واعتبر حسين الشيخ، رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، التصعيد الإسرائيلي الذي يقوده اليمين المتطرف هدفه تمزيق السلطة الفلسطينية والمساس شخصيا بالرئيس محمود عباس، نتيجة موقفه السياسي الرافض لأي تسوية تنهي حقوق الشعب الفلسطيني، وتضعه أمام أمر واقع يصعب تغييره.

وأكد الشيخ في تصريحات لـ”العرب” من رام الله، أن الرئيس عباس يقوم باتصالات وتحركات عربية لمنع انهيار السلطة في الضفة الغربية.

وأشار إلى أن التحركات الإسرائيلية في الضفة الغربية ترمي فعلا إلى إسقاط السلطة الفلسطينية، مشددا على أن حكومة بنيامين نتنياهو تستخدم ما يجري من صدامات كذرائع لتقويض السلطة عبر اجتياح المناطق (أ) التي تعدّ تحت المسؤولية الكاملة للسلطة الفلسطينية، ومحاولة إضفاء الشرعية على جرائم المستوطنين ضد الشعب الفلسطيني، وقطع الطرق وحرمان المواطنين من التنقل ورفع شعارات لاستهداف الرئيس أبومازن بشكل شخصي، واصفا ما يجري بمحاولة “لتقييد هيبة السلطة في مدن الضفة الغربية”.

لكن مصادر فلسطينية تؤاخذ على أبومازن عمله كل ما يستطيع من أجل تفكيك السلطة الوطنية الفلسطينية وتحويلها إلى مجرد خاتم في إصبعه، ولعبه كذلك دورا في إضعاف حركة فتح وإبعاد كل قيادي يمتلك قاعدة شعبية فلسطينية.

وحصر أبومازن العلاقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية بالدور الأمني للسلطة التي تحولت أجهزتها إلى أجهزة تابعة لأجهزة الأمن الإسرائيلية.

وفي تصعيد إسرائيلي جديد في الضفة الغربية، قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، الأحد، إن حكومة نتنياهو وجدت آلية جديدة للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية الخاصة التي أقام مستوطنون مباني لهم عليها.

ومن المقرر أن يبلغ المستشار القضائي للحكومة، أفيخاي مندلبليت، المحكمة الإسرائيلية العليا بأنه من الممكن شرعنة 80 بالمئة من أراضي المستوطنات التي توجد شكوك حول قانونيتها، ويدور الحديث عن أكثر من ألفي بؤرة استيطانية وبنى تحتية في الضفة الغربية.

وتعكس التحركات الإسرائيلية في مدن الضفة الغربية رغبة حكومة نتنياهو السطو على صلاحيات الرئيس الفلسطيني محمود عباس، حيث أعلن وزير التربية والتعليم في حكومة نتنياهو، ورئيس حزب البيت اليهودي، نفتالي بينيت، في يونيو الماضي، أن “الضفة الغربية وجميع المستوطنات فيها ستصبح قريبا جزءا من إسرائيل”.

وتزيد تصريحات نتنياهو نفسه، التي أدلى بها في وقت سابق، الموقف تأزما، وكشفت عن حجم ما يخطط لمصير السلطة الفلسطينية في رام الله، حيث أكد صراحة أنه لن تكون هناك سيادة فلسطينية في الضفة الغربية.

وترمي التحركات الإسرائيلية إلى تفكيك السلطة الوطنية في الضفة الغربية، وتفكر حكومة نتنياهو في منح الأردن صلاحيات واسعة فيها، ونقل السلطة المركزية إلى قطاع غزة، على أن تتحمل إسرائيل المسؤولية الأكبر في ما يتعلق بالأمن والقضايا الحياتية البسيطة في الضفة.

وقال المحلل السياسي الفلسطيني أكرم عطاالله إن إسرائيل تريد سلطة ضعيفة مهلهلة ولا تريد سلطة مركزية في الضفة الغربية، وتمهد الأرض لذلك بشتى الطرق، وتعمل على تقسيم الضفة الغربية إلى ما يشبه سلطات محلية تقدم خدمات لفائض الجمهور الفلسطيني وتتبع سلطة مركزية في غزة، أو تدير نفسها من الضرائب ومساعدات دولية تعمل إسرائيل على الدفع نحوها.

وأضاف عطاالله في تصريح لـ”العرب” من قطاع غزة، أن المشروع الإسرائيلي يتمثل في إيجاد دويلة غزة والسيطرة على أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وكل ما يحدث في القطاع يأتي في إطار فصله تماما عن الضفة، والتحرك لإضعاف السلطة الفلسطينية وتهميش دورها ليتحول إلى عمل خدماتي فقط.

وحذرت دوائر فلسطينية عديدة من تداعيات انهيار السلطة، لأنها ستكون وخيمة على جهات كثيرة، في وقت تراجعت فيه أوراق الضغط في يد السلطة الفلسطينية التي يمكن اللجوء إليها، على المستوى الدولي والعربي، بفعل تجذّر الانقسام بين حركتي فتح وحماس، وإصرار الأخيرة على الانفراد بالسلطة في غزة.

وحول ارتباط ما يدور في الضفة والبنود الخفية التي تحملها صفقة القرن الأميركية، أكد أكرم عطاالله، أن ما يجري “يرتبط ببنود صفقة القرن والتي تتطلب سلطة فلسطينية ضعيفة، فضلا عن التحرك الإسرائيلي في إطار الصفقة الأميركية التي تتحدث عن سلطة أقل من 42 بالمئة في الضفة الغربية ودويلة في غزة، وتؤدي الأحداث الراهنة في الضفة إلى تفكيك السلطة الفلسطينية، أو تركها للانهيار تماما.

ويتوقع مراقبون سياسيون أن يكون عام 2019 الأخطر في تاريخ القضية الفلسطينية، حيث سيتم خلاله الإعلان عن تفاصيل صفقة القرن التي دخلت العديد من بنودها حيز التنفيذ.