شيئاً فشيئاً، تتجلى الأسباب المعرقلة لتشكيل الحكومة، الأبعد من مجرّد وزير سنّي، أو ثلث معطّل. البطريرك الماروني بشارة الراعي يتحدث بعد جولة خارجية، وبعد لقائه رئيس الجمهورية، عن وجود أمر مبطّن يحول دون تشكيل الحكومة. وليد جنبلاط يتحدّث عن أن الخروج من المأزق السياسي، والحلّ لمشكلة السلاح إذا ما سيحصل يوماً ما، سيكون مرتبطاً بتغيير معين في شكل النظام أو الدستور أو التركيبة.
الانتقام السوري
بعض المعطيات والمؤشرات تفيد بأن ما يجري هو أكبر من مجرّد حصة وزارية. صحيح أن الحسابات الداخلية تدفع البعض إلى تحسين مواقعهم، وحصصهم، تحضيراً لإستحقاقات مستقبلية. لكن هؤلاء يستفيدون من وضع خارجي للإستثمار فيه، بحثاً عن تحقيق مصالحهم المحلية.
تشير بعض المعطيات إلى أن المضمر أو المبطن الذي يتحدث عنه الراعي، يتلاقى مع اتهامات جنبلاط الموجهة إلى النظام السوري، بالسعي إلى الإنتقام من اللبنانيين. وما يجمع بين الإشارتين، هو كلام يدور في دوائر غربية، عكَس البعض منها وزير خارجية الفاتيكان. وهو متصل تماماً بما يتم التداول به في بعض الصالونات السياسية اللبنانية، بأن الأسد يريد العودة إلى المسرح العربي من البوابة اللبنانية، في سعي منه إلى استعادة قوته ومنعته إقليمياً وعربياً. ولبنان بداهة، عملياً ورمزياً، يمثّل في هذا السياق أهمية بالغة لبشار الأسد.
هذا ما يقود المصادر إلى الحديث عن مسعى سوري للتأثير على اللبنانيين، وبعض حلفائه في لبنان والعراق، للضغط على الجامعة العربية لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، والإستفادة من مناسبة القمة الإقتصادية، التي ستعقد في بيروت الشهر المقبل، لتوجيه دعوة رسمية إلى الحكومة السورية للمشاركة فيها.. وعبرها، يعود النظام السوري تلقائياً إلى المنظومة العربية كامل الشرعية. وعلى هذا الأساس، عمل النظام على تشكيل لجنة أو "لوبي" ضغط، بين لبنان والعراق والأردن، داعم له، بالتعاون مع بعض القوى العربية، للتأثير على الأمانة العامة للجامعة العربية، بغية توجيه تلك الدعوة، للحضور إلى بيروت.
هذه المساعي ترافقت مع مواقف لبنانية متعددة، خلال الأسبوع الفائت، عن وجوب دعوة سوريا للمشاركة في القمّة. أبرزها كان من قبل الرئيس نبيه برّي، الذي اعتبر أنه لن يقبل بعد اليوم عقد أي إجتماع من هذا النوع من دون سوريا. موقف برّي يوضح أن المساعي فشلت، لأنه لم يقل إنه يعارض عقد هذا الإجتماع من دون سوريا، بل أي إجتماع آخر. ولكن ثمة من يعمل على عرقلة عقد القمة إذا لم يشارك فيها النظام السوري، أو إذا لم يتلق دعوة، لتعود له حرية اتخاذ القرار في المشاركة من عدمها. هنا بالتحديد، لا تفصل المصادر كل هذا الكلام، عن عقدة توزير نواب سنة الثامن من آذار المحسوبين على دمشق.
الاستفراد بلبنان
بعد فشل المساعي مع الجامعة العربية، لتوجيه الدعوة إلى النظام السوري، تشير بعض المعطيات إلى أن الضغط انتقل إلى شكل آخر، وممارسته على لبنان بشكل منفرد، كأن يبادر لبنان إلى دعوة الأسد لحضور القمّة، باعتباره البلد المضيف للقمة، ويمكنه توجيه دعوة لأي شخص أو مؤسسة أو حكومة ولو من خارج الجامعة العربية. وهذه عادة ما درجت في قمم أخرى. لكن لا شك أن أي تحرك للبنان من هذا النوع، سيعني إفشال القمّة قبل أن تبدأ. إذ أن الخروج عن قرار الجامعة العربية، والإستفراد بقرار سياسي من هذا النوع، سيفرض عزلة إضافية على لبنان، واعتذارات من قبل وفود عربية أساسية ترفض توجيه دعوة للنظام السوري، أو التطبيع معه، بهذا الشكل العلني حالياً.
لا ينفصل هذا الكلام، عن السياق السياسي الأوسع، والذي يسعى من خلاله النظام السوري وحلفاؤه إلى إعلان الإنتصار، بالممارسة السياسية، وليس بالمواقف فقط. أي من خلال تكريس معادلات أو شروط أو قرارات في إستحقاقات مهمة، إن لم يكن في هذه القمة ففي غيرها. يظهر هذا منذ نتائج الإنتخابات النيابية إلى مراحل وأطوار عملية تشكيل الحكومة، وفرض الشروط والحصص فيها. حتى لو وصل الأمر إلى إفشال القمة الإقتصادية، فهو سيعد مكسباً للنظام السوري وإيران معاً، للقول مجدداً، إن لبنان يقع تحت تأثير النظام السوري، وخاضع بالكامل للإرادة الإيرانية، التي لا تترك مناسبة لا تحاول فيها تصوير وتظهير انتصارها في لبنان، على الرغم من كل ما تواجهه مع حزب الله من عقوبات أو غير عقوبات.