لا جديد في مقابلة مارسيل غانم مع الزعيم وليد جنبلاط وقد بدت منسوخة ومكررة ولا شيء فيها يبعث على التجديد في الحياة السياسية، خاصة وأنه استقال منذ فترة أو أُقيل من مقدمة المشهد السياسي اللبناني لأسباب متصلة بضعف المواقف التي اتخذها في لحظة تخلي أثناء بروز تيّار الأرز كربيع لبناني واعد وبعيد الخروج من جماعة 14 آذار كبيضة ميزان بين 8 و 14 آذار ومن ثم في اختيار المختارة كحصن سياسي طائفي يدفع من خلاله أذى مواقفه من مواقف الآخرين ضدّه والذين اجتمعوا عليه لهدم حصنه الأخير ولكن الانتخابات النيابية جاءت لتعيد الاعتبار لموقع الحزب التقدمي في جبل كمال جنبلاط.
بدت الحرب عليه واضحة من الفرق السورية ومن حلفاء النظام ولولا حرص الرئيس نبيه بري على صديقه السياسي لكانت دائرة التضييق على جنبلاط مكتملة وهذا ما أخلّ في التمثيل السياسي والإنتخابي لزعيم الجبل الأوحد عندما بدت منافسة الوزير وئام وهاب جدية انتخابياً ومتحدية سياسياً وخاصة في حادثة الجاهلية والتي عجز فيها الحزب التقدمي الإشتراكي عن لعب الدور الذي يلبّي حجم زعامة الطائفة بحيث أن الجاهلية وطيلة مناسبة الحزن من جهة وغلو الضحك من جهة ثانية أثبتت أنها قلعة حصينة لحلفاء النظام السوري وهذا ما عكسته من قبل ظاهرة السلاح الذي انتشر ضدّ قافلة التبليغ وضدّ إرادة السلطة.
إقرأ أيضًا: حكومة بابا نويل
خضع وليد جنبلاط لمنطق الضعف وعلّل منطق قوّة الآخرين وضروة الانقياد الطبيعي لشروط الأقوى دون أن أيّ اعتراض وبتسليم كامل رغم أن هذا الموقف فيه الكثير من الخدوش كونه استسلام عن عجز في القراءة السياسية لتوازنات القوّة في لبنان والتي لا تنحصر في وجود السلاح وحده.
بغض النظر عن الكثير مما أعاد وليد جنبلاط استهلاكه في المقابلة "المرسلية" حيث غنم غانم ما غنمه الزعيم من شهرة شعبية لدى المريدين وسياسية من قبل المتابعين الذين جذبهم جميعاً مغنطيس جنبلاط الذي يزداد تألقاً داخل العدسة السياسية على خلاف تراجعه خارج الكاميرا وهذا ما فضح الكثيرين من السياسيين الذين لا يملكون موهبة جنبلاط في الاستماع اليه بتمتع خاص غير متوفر لدى جمهور من القيادات اللبنانية والذين لا يوزنون بميزان جنبلاط رغم أنهم أكثر قوّة ودوراً في السلطة وخارجها.
يبدو أن الصناعة السياسية لكثير من القيادات اللبنانية سوف تحتل السوق السياسي في السلطة وفي المعارضة بحيث سيفتقد لبنان رجالاً بمواصفات جنبلاط موهوبة في السياسة بعد أن ضاقت مساحات رجال الدولة أو انحسرت برجل واحد وبات الملعب ملعب صغار الأحزاب وهذا نقيض التربة اللبنانية التي أعطت رجالاً افتقرت اليهم التجربة العربية وكانوا على اختلافهم واختلاف مشاربهم صنّاع تاريخ ومدارس في العمل والحقل السياسي.
إقرأ أيضًا: مخلل كبيس على الـ «NBN»
هذا الإنحطاط في مستوى السياسيين أحطّ من قيمة لبنان ودفع به الى أزمات شبيهة بأزمات بيوت الجيران في حيّ شعبي أو في مخيم من مخيمات اللاجئين حيث تبقى المشاكل قائمة على كل شيء لتفاقمها اليومي دون حلول في ظل سعي فردي أو عائلي للاستفراد بأكياس المساعدات لوحده دون غيره والاكتفاء بها لسدّ احتياجاته التي لا تنتهي في ظل كسل وخمول يعتاش على الهبات وعلى فوضى الفقر والعوز والجوع.
كان لا بُدّ لجنبلاط من الظهور الكاشف على مساحة من ضوء الاعلام بعيد حادثة الجاهلية والتعدي عليه وبعيد القول بالاستسلام لشروط حزب الله كيّ يُفرح جمهوره الطائفي بإطلالة مشبعة بحنكة وحكمة الزعيم الذي لا ينافس زعامته قطّاع طرق سياسية وهذا ما أشعل وسائل الاتصال الاجتماعي بأقوال جنبلاط في مقابلة أقلّ من تاريخية لكنها أكثر من ضروة لتشفي غليل صدور مكظومة.