انحدرت مؤشرات القطاع المصرفي دون أدنى ترقبات النمو للعام الحالي، متجاوزة فعالية حوافز رفع الفوائد بمعدل الضعفين وأكثر، على متوسطات الفوائد المعتمدة على التوظيفات الادخارية بالليرة اللبنانية وبالدولار الأميركي، والتي شملت ودائع المقيمين وغير المقيمين على السواء، ورافقتها جولات جذب تنافسية في عرض عوائد مرتفعة في أوساط رجال الأعمال والمستثمرين الخليجيين، وبالأخص من خلال شبكة العلاقات الوطيدة في السعودية والإمارات.
ولا يعكس ارتفاع إجمالي الأصول المجمعة للمصارف بنسبة 10.4 في المائة خلال 10 أشهر من بداية العام الحالي، وبنسبة 12.4 في المائة على أساس سنوي، لتصل إلى نحو 242 مليار دولار، تقدماً مماثلاً في المؤشرات الرئيسية، نظراً لارتكازه بشكل رئيسي على احتساب وإعادة تبويب وتحرير شرائح من حصيلة عمليات الهندسة المالية التي أجراها البنك المركزي اللبناني مع المصارف، بدءاً من منتصف عام 2016، بهدف جذب توظيفاتها وودائعها من الأسواق الخارجية، مع تقديم إغراءات مرتفعة على العوائد، بغية إعادة ضخها ضمن احتياطي العملات الصعبة، دفاعاً عن الاستقرار النقدي.
فقد زاد إجمالي ودائع الزبائن (قطاع خاصّ وقطاع عامّ) في القطاع المصرفي اللبناني بنسبة 2.3 في المائة على أساس سنوي، ليصل إلى 177.5 مليار دولار في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وبات صعباً الوصول إلى نسبة نمو إجمالية بين 4 و5 في المائة خلال الشهرين الأخيرين، وفقاً للترقبات السابقة. وهذا المؤشر مرجعي في قياس قدرة الموارد المصرفية على تمويل الاحتياجات المالية للدولة، عبر سندات الخزينة بالليرة وسندات الدين الدولية بالدولار، وذلك بمعزل عن مقياس المردود، والذي استجابت له وزارة المال اللبنانية أخيراً، من خلال رفع عوائد سندات الخزينة لتماثل الفوائد السوقية عند مستوى 10.5 في المائة للآجال الطويلة، مقابل 7.5 في المائة كمتوسط معتمد سابقاً لهذه الفئة.
وجاءت هذه الزيادة نتيجة ارتفاع ودائع القطاع الخاصّ المقيم بنسبة 1.68 في المائة، لتصل إلى 135.76 مليار دولار، توازياً مع نموّ ودائع القطاع الخاصّ غير المقيم بنسبة 6.64 في المائة، ليصل إجماليها إلى 37.49 مليار دولار، الأمر الذي يظهر فعالية الودائع الوافدة من اللبنانيين في الخارج ومن أسواق عربية، في حفظ النمو الإيجابي لمؤشر الودائع رغم ضآلته. كذلك أمكن ملاحظة زيادة شكلية، تقل كثيراً عن متوسطات مردود الفوائد، في بند ودائع الزبائن المحررة بالليرة اللبنانيّة بنسبة 0.15 في المائة خلال الأشهُر العشرة الأولى من العام الحالي، ليصل مجموعها الموازي إلى 57.15 مليار دولار، بينما نَمَت الودائع المحررة بالعملات الأجنبيّة بنسبة 3.91 في المائة، لتبلغ 120.43 مليار دولار.
كما لوحظ استمرار وتيرة التحويل من الليرة إلى الدولار، بخلاف ما تبرزه بعض التقارير المصرفية. فرغم رفع الفوائد على الإيداعات بالليرة إلى مستويات مغرية تتراوح بين 10 و15 وحتى 20 في المائة لعروض محددة الشروط والحوافز، وبحسب فترة تجميد الوديعة من سنة واحدة إلى 5 سنوات ثم إلى 10 سنوات، إضافة إلى عروض بفوائد أقل للثلاثة والستة أشهر، لفت في البيانات المجمعة للمصارف ارتفاع نسبة الدولرة (نسبة للدولار) في ودائع القطاع الخاصّ إلى 69.5 في المائة في نهاية الفصل الثالث من العام الحالي، مقابل 66.9 في المائة للعام الماضي، وذلك انطلاقاً من نسبة 68.72 في المائة في مطلع السنة.
كما كان لافتاً تخطي حسابات الرساميل المجمّعة للمصارف عتبة 20 مليار دولار في 10 أشهر، بزيادة سنوية نسبتها نحو 7.4 في المائة، عن مستواها المسجل في الفترة ذاتها من العام الماضي. ويعود ذلك بالأخصّ إلى لجوء المصارف إلى تعزيز رساميلها الخاصة لتبقى ملتزمة بمعايير لجنة بازل ومصرف لبنان، المتعلّقة بنسب كفاية رأس المال.
في الضفة المقابلة، برزت بوادر انكماش سلبي في حصيلة عمليات التمويل الموجهة للأفراد والشركات في القطاع الخاص. فقد تراجعت تسليفات المصارف اللبنانيّة إلى القطاع الخاصّ (المقيمين وغير المقيمين) بنسبة 0.89 في المائة، أي ما يوازي نحو نصف مليار دولار، ليستقر إجمالي محفظة التسليفات المجمعة عند 50 مليار دولار. وهذا المؤشر يعكس جانباً من مأزق انسياب التمويل بسبب ارتفاع الفوائد من جهة، وبسبب وقف برامج التمويل المدعومة من قبل البنك المركزي، من جهة أخرى، نظراً لتوجيه موارده إلى حماية الاستقرار النقدي وتمويل حاجات الدولة، وخصوصاً لجهة تغطية استحقاقات السندات الدولارية، والتي ستبلغ 2.65 مليار دولار في العام المقبل.
ومن المهم الإشارة إلى توفر وفورات مالية لدى الجهاز المصرفي؛ حيث يصل معدّل التسليفات إلى 33.31 في المائة حالياً للقطاع الخاص، وأقل من 30 في المائة للقطاع العام من إجمالي ودائع الزبائن.