يستعيد الإسرائيليون نغمة جديدة، برزت قبل حوالى سنة. يومها حاولت تل أبيب جمهرة بعض الدول المساندة لها، لفرض عقوبات على لبنان، ولتوسيع صلاحيات القرار 1701 تحت الفصل السابع، على نحو لا تقتصر أعمال قوات الطوارئ الدولية على الجنوب، بل يتم توسيعها باتجاه الحدود الشرقية وصولاً إلى مطار بيروت بالإضافة إلى المياه الإقليمية. اليوم تتجدد هذه المطالبات مع تصعيد أكثر، يصل إلى حدّ الضغط الإسرائيلي، بحثاً عن نافذة توافق من خلالها الولايات المتحدة الأميركية على فرض عقوبات على لبنان كدولة، وليس على حزب الله فقط، لتحميلها مسؤولية تزايد أنشطة الحزب العسكرية وخرق القرارات الدولية.
تنسيق مع الروس
هذه الحملة الجديدة، تأتي على ما يبدو في سياق مدروس أكثر. وهي بدأت في التقارير الإسرائيلية، التي تتحدث عن تحويل مطار رفيق الحريري الدولي إلى قاعدة عسكرية إيرانية، يتم عبرها إدخال أسلحة وصواريخ وأموال إلى حزب الله. فيما الدولة اللبنانية تقف عاجزة عن مواجهة هذه التحركات. وانتقلت إلى حدّ إدعاءات رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوجود مصانع ومخازن صواريخ بالقرب من المطار، وحينها طالب الإسرائيليون بتشديد الضغط على الدولة اللبنانية، وبوضع المطار تحت مراقبة دولية.
ينسّق الإسرائيلي مع الروس والأميركيين في سبيل تأمين حدوده. روسيا تضطّلع بدور أساسي في الجنوب السوري وعلى بعض النقاط الأساسية بين لبنان وسوريا، لناحية ضبط المعابر، وتوفير ما تعتبره إسرائيل أمناً لها، بينما يستند الإسرائيلي على الأميركيين في الضغوط على إيران، لانتزاع تنازلات ميدانية واضحة، توفر لها حماية حدودها. واستمرّ تدرج التصعيد الإسرائيلي وصولاً إلى حملة الكشف عن الأنفاق، وما رافقها من مطالبات إسرائيلية للأميركيين بفرض عقوبات على الدولة اللبنانية. الأمر الذي يرفضه الأميركيون حتى الآن، باعتبار أنه لا يمكن معاملة الدولة اللبنانية ككل بوصفها تابعة لحزب الله. فيما يتوعدون أمام الإسرائيليين بالشروع باتخاذ إجراءات عقابية قاسية جداً ضد الحزب لعلّها تدفعه إلى تقديم المزيد من التنازلات.
تهذيب حزب الله
وفق ما تكشف مصادر متابعة للرأي السياسي الأميركي، في هذه المرحلة، يعتبر الأميركيون أن حزب الله غدا أكثر تهذيباً من الفترات السابقة، والدليل هو صمته وعدم تصعيده أو تعليقه بشكل عملي، على ما تقوم به إسرائيل. ويربط الأميركيون ذلك، بحسابات إيران الراغبة في عدم التصعيد، للعودة إلى الدخول في المنظومة الدولية، على غرار ما جرى يوم أقر الإتفاق النووي. وبالتالي، فهي لن تلجأ إلى التصعيد، رغبة منها في العودة إلى هذا الإتفاق عاجلاً أم آجلاً. ولذلك لا يتوقع الأميركيون أي مواجهة عسكرية مباشرة بين إيران واسرائيل. لا بل أكثر من ذلك، فالرأي داخل واشنطن يستقر على مبدأ وجود الكثير من نقاط التقاطع والمصالح المشتركة بين الإسرائيليين والإيرانيين، بمعزل عن بعض الخلافات التفصيلية أو الحسابات غير الإستراتيجية، التي تتعلق بمناطق نفوذ ونقاط سيطرة لكل طرف من الطرفين.
يحاول الإسرائيلي مراكمة المزيد من الملفات التي تدين حزب الله، من خرق القرار 1701 إلى مسألة الأنفاق، والإدعاءات بتخزين الصواريخ الكاسرة للتوازن. والهدف من ذلك هو تكبير حجم الحملة الدولية، والذهاب إلى عقد جلسة لمناقشة هذه الخروقات في الأمم المتحدة. كما إعادة إحياء معادلة توسيع نطاق عمليات اليونفيل. لا شك أنه عندما يطالب الإسرائيلي الأميركيين والمجتمع الدولي بفرض عقوبات على لبنان، فهذا يعني ان إسرائيل تنقل المعركة إلى مجال آخر، مختلف عن السياق العسكري. وهذا كله يقود إلى استبعاد أي خيار للحرب أو المواجهة.
صلاحيات اليونفيل
يسعى الإسرائيليون إلى تعزيز الطوق الدولي حول لبنان. سواء بتعزيز وتوسيع صلاحيات عمل قوات الطوارئ الدولية، والتي يقابلها تعزيز المظلة الدولية على الأرض لبنانياً، بوجود المراقبين البريطانيين وأبراج المراقبة على الحدود الشرقية، بالإضافة إلى وجود قواعد عسكرية أميركية في عدد من المناطق اللبنانية لا سيما في حامات وفي عرض البحر. ويهدف الإسرائيليون إلى تعزيز هذه السيطرة الدولية على لبنان، لأجل تحقيق هذا التطابق مع المصلحة الإسرائيلية. وهذا لا ينفصل عن الوجود الأميركي في قاعدة عمشيت البحرية لتدريب أفواج المغاوير. حيث هناك 200 خبير ومدرّب أميركي في تلك القاعدة. أما مطار رياق، فقد تحول إلى ما يشبه القاعدة العسكرية الأميركية. مقابل 13 برج مراقبة في السلسلة الشرقية، تم تشييدهم من العام 2014، نطاق كل برج منها، نحو عشرين كيلومتراً مربعاً، مع مجسات حرارية قادرة على كشف أي جسم متحرك ضمن هذه المسافة. يشغلها البريطانيون مع الجيش اللبناني.
يذهب لبنان على المدى المتوسط في ظل ترتيب الأوضاع الذي سيحصل على الساحة السورية، باتجاه مسار قائم على الحفاظ على التوازنات القائمة، بحيث تبقى المظلات الدولية فوق الساحة اللبنانية، والتي سيتقاسمها الروس والأميركيون. فيما الإشكالية الأساسية التي ستبقى مطروحة، هي المتعلقة بموقع إيران في المعادلة. وإذا ما كانت ستكون طرفاً منبوذاً وغير مرغوب فيه، أم أنه سيكون طرفاً مرحّباً به، على قاعدة التنازل والتسويات والإلتزام بالشروط. بالتأكيد، أن لدى إيران أوراقاً قوية ستستخدمها للبقاء في واجهة المشهد، وعدم التراجع أو خسارة كل ما حققته. هذا المسار الدولي وموازين القوى على الأرض، هي التي سترسي هذه المعادلة في النهاية. والتي يهدف الإسرائيلي والأميركي من خلالها إلى سلب إيران قدرتها على التخريب في هذه المنطقة، بعد استنفادها طوال السنوات الفائتة.
وعلى غرار التدويل الأمني والعسكري لحدود لبنان وموانئه، ثمة تدويل من نوع آخر، إقتصادي ومالي، على غرار مؤتمر "سيدر" وملف اللاجئين.. وللحديث بقية.