للمرة الأولى، منذ أن فتح ملف تشكيل حكومة جديدة، يخرج رئيس مجلس النواب نبيه برّي عن تشاؤمه المعهود، ويبدي شيئاً من التفاؤل في امكانية التوافق على تشكيل الحكومة، مستنداً بذلك إلى الأفكار الجديدة التي طرحها رئيس الجمهورية وناقشه بها في الاجتماع الذي ضمهما مطلع هذا الأسبوع، وان كان الرئيس برّي حرص على أن تبقى هذه الافكار بعيدة عن الأضواء وعن متناول السياسيين لاعتقاده بأنها ما زالت بحاجة إلى مزيد من النقاش والحوار مع أوسع المكونات المعنية بتشكيل الحكومة للتوصل إلى ما يفي بالغرض وهو الخروج من هذه الأزمة التي طالت فيما البلد ينهار أمام مسمع وعيون جميع المعنيين والمسؤولين فيه.
وإذا كانت بعض الأوساط السياسية المتابعة للاتصالات الجارية على قدم وساق منذ أن فتح هذا الملف، اجتهدت أو حصلت على بعض المعلومات عن الأفكار التي طرحها رئيس الجمهورية للخروج من الأزمة بعدما استنفد كل الاقتراحات السابقة التي تمّ التوافق عليها مع الرئيس المكلف وسربتها إلى وسائل الإعلام بقصد إشاعة أجواء تفاؤل بقرب طي هذا الملف الذي بات استمراره مفتوحاً يُهدّد بايقاع البلد في المحظور الذي نبهت إليه الأوساط والصناديق الدولية، وأجمعت على وجوب قيام حكومة تتولى معالجة الوضع، قبل أن يفلت من يد الجميع، فإن أوساطاً متابعة أخرى ترى أنه لا يجوز الاغراق في التفاؤل. قبل أن تنجلي كل خطوط المبادرة التي أطلقها رئيس الجمهورية بعد المشاورات التي طرحها مع كل المعنيين بالشأن الحكومي من أحزاب وكتل نيابية.
لكن هذه الأوساط تتوقف عند ما سرب من الأفكار التي طرحها الرئيس عون على رئيس مجلس النواب وعلى الرئيس المكلف، ومنها على سبيل المثال التخلي عن فكرة الحكومة الثلاثينية بعدما تعذر الوصول إلى تفاهم حولها بين القوى السياسية والحزبية الفاعلية على الأرض، والعودة إلى مشروع الحكومة المصغرة المؤلفة من 18 أو من 14 وزيراً، من منطلق أن تحد من الشروط والشروط المضادة، وتسهل على رئيس الجمهورية وعلى الرئيس المكلف عملية التوفيق بين الأطراف المعنية، وبالتالي اقفال هذا الملف المفتوح منذ أكثر من ستة أشهر. هذا بالإضافة إلى معلومات أخرى نقلتها الأوساط السياسية عن أن أفكاراً أخرى طرحها رئيس الجمهورية تدور حول فكرة تشكيل حكومة تكنوقراط من خارج «الطقم» السياسي، لمرحلة انتقالية تعمل خلالها هذه الحكومة، على إنجاز الإصلاحات الداخلية التي يطالب بها المجتمع الدولي ليفي بوعوده التي قطعها للبنان في المؤتمرات التي عقدت لهذه الغاية ومنها على وجه التحديد مؤتمر سيدر وذلك من باب حرص هذا المجتمع على لبنان وعلى ضرورة مساعدته للخروج من أزماته التي تبدأ بالوضع الاقتصادي المتردي ولا تنتهي بتفاقم العجز الذي يتجاوز التسعة مليارات دولار أميركي سنوياً والذي يُهدّد بإفلاس الدولة. غير أن هذه الافكار التي تتداولها الأوساط المتابعة لحركة المشاورات التي يجريها رئيس الجمهورية مع الكتل والأحزاب لا يمكن الركون إليها رغم انها قريبة من الواقعية الا بعد ان يصدر عن قصر بعبدا ما يؤكدها أو ينفيها خصوصاً وان الرئيس المكلف سعد الحريري لم يتخذ أي موقف منها سوى الاعراب عن الأمل في ان تلقى مبادرة رئيس الجمهورية التجاوب المطلوب وبخاصة من الأطراف المعرقلة لتشكيل الحكومة، ما يعني انه لا يزال يميل إلى الاعتقاد بأن الأزمة الراهنة باتت أكبر من تشكيل الحكومة وبات لها امتداد إقليمي، مستنداً في ذلك إلى المواقف الأخيرة لحزب الله والتي عبر عنها بشكل مقتضب رئيس كتلته النيابية النائب محمّد رعد بعد اجتماعه إلى رئيس الجمهورية والتي تُشير إلى ان الحزب يتحفظ على الأفكار التي طرحها الرئيس عون للخروج من المأزق الراهن بحكومة توافقية، وان كان وعد بنقل هذه الأفكار الى قيادة الحزب لدرسها بهدوء وإعطاء الجواب عليها بالنفي أو بالقبول، مما يعني أن ما يطرحه رئيس الجمهورية من أفكار للخروج من المراوحة السياسية القائمة حول تشكيل الحكومة لا يتناسب مع تطلعات الحزب للمشاركة الفاعلة مع حلفائه في أية تشكيلة حكومية يمكن ان تبصر النور وتشكل حلاً للأزمة الراهنة.
وفي أي حال، تنظر الأوساط السياسية بإجابية إلى الخطوة التي اقدم عليها رئيس الجمهورية لأنها فتحت ثغرة في الحائط المسدود الذي وصلت إليه المشاورات بين الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة، الا ان ذلك لا يعني في أي حال من الأحوال ان الأزمة شارفت على نهايتها ما دامت هناك أسباب خارجية متهمة بالعرقلة لإبقاء الأزمة الحكومة عالقة.