بعد مرور أكثر من سبعة أشهر على إنتخابات 6 أيار الماضية، ها هي منطقة البترون تنفض عنها غبارَ المعركة، تلك المعركة التي حملت مفاجآتٍ من العيار الثقيل على كلّ الصعد.
أولى تلك المفاجآت كانت السقوط المدوّي للنائب السابق بطرس حرب الذي كان ممثلاً في المجلس منذ عام 1972 الى عام 2018 (باستثناء الفترة الممتدّة ما بين عامي 1992 و1996)، ذاك السقوط الذي لم يكن متوقّعاً نتيجة التحالفات الواسعة للائحة التي إنضمّ إليها النائب السابق.
المفاجأة الثانية كانت الرقم المرتفع وغير المتوقّع الذي حصده النائب القواتي فادي سعد، والذي تفوّق على حرب بما يزيد عن الأربعة آلاف صوت، وكاد يزاحم رئيس «التيار الوطني الحرّ» الوزير جبران باسيل.
أما المفاجأة الثالثة فهي عدد الأصوات التفضيلية التي نالها باسيل في الإنتخابات، ذاك الرقم الذي تدنّى عن إنتخابات 2009 على رغم تحالفه مع تيار «المستقبل» وتأكيد الرئيس سعد الحريري من بلدة راسنحاش السنّية أنّ الأصوات التفضيلية هي لباسيل.
وبعيداً من تقييم أرقام الإنتخابات، شعر «التيار الوطني الحرّ» بالخطر في البترون، فهذه المنطقة هي منطقة رئيسه الوزير باسيل، ويجب أن تكون محصّنة مثلما بشري محصّنة لـ«القوات»، وزغرتا لتيار «المردة» والشوف للحزب «التقدّمي الإشتراكي»، والجنوب لحركة «أمل».
لا يستطيع أحدٌ إنكارَ المجهود الخدماتي الذي قام به باسيل منذ عام 2008، تاريخ تسلّمه وزارة الإتصالات، لكنّ الصعوبة التي تواجهه هي أنّ قضاء البترون مسيّس الى أقصى درجة، وقد يُعتبر من أكثر الأقضية التي تنتخب في السياسة وليس الخدمات، إضافة الى وجودِ عصبٍ قوّاتي، وإستطراداً يميني قويّ جدّاً ومتين، وظهر هذا الأمر جلياً في الأرقام المرتفعة التي نالها مرشّح «القوات» في بلدات الجرد والوسط، وحتى الساحل التي تُعتبر إحدى أهم مراكز نفوذ باسيل.
ويراهن «التيار الوطني الحرّ» في البترون على إجراء نفضة شاملة تواكب تحديات المرحلة، فتمدُّد «القوات» يتزايد، وقاعدةُ النائب السابق بطرس حرب تتّجه بجزءٍ كبير منها إلى «القوات اللبنانية» وليس إلى «التيار»، والخدمات التي قام بها باسيل في المنطقة لم تُترجَم بشكل كبير في صناديق الإقتراع.
ومن أولى تجلّيات «النقلة» التي ينوي «التيار» القيام بها هي التغيير في المنسقيّة، فقد تمّ تعيين رئيس بلديّة إده نجم خطّار منسقاً لـ«التيار» في قضاء البترون خلفاً للمنسق «المحبوب» طوني نصر، وتنتظر خطار مهمّة صعبة وربما شاقة.
فالمنسق الجديد يضع خطّة عمل شاملة تتضمّن التواصل مع البلدات كافة، وتكثيف الإجتماعات السياسية والقيام بدورات تثقيف سياسية، والأهم من كلّ هذا «النزلة عالأرض» والتواجد بين المناصرين والمحازبين.
خطار يؤكّد في حديثه لـ«الجمهورية» «لا يمكن إنكار أنّ رهاننا في الإنتخابات النيابية كان على رقم أعلى من الذي حققناه، لكنّ عملنا المتواصل منذ عام 2005 على أساس القانون الأكثري ومن ثمّ تبدُّل القانون الى النسبي والصوت التفضيلي ساهما في تلك النتيجة، غير أنّ هذا لا يعني أنه ليست هناك أخطاء قدّّ ارتُكبت».
ويراهن على كسب عنصر الشباب والتواجد بين الناس وتفعيل مكاتب «التيار» في البلدات، ولا يُنكر منسّق «التيار» أنّ «العصب القواتي قويّ في المنطقة، إنما هذا لا يعني أنّ جزءاً من مناصرينا إنتخب معهم، مع العلم أنّ هناك عدداً لا بأس به من مناصري «التيار» صوّت للائحة المجتمع المدني».
يحاول خطّار فصلَ الخلاف السياسي مع «القوات» عن العمل الإنمائي، ويقول: نحن على تواصل في كل المشاريع الإنمائية مع النائب فادي سعد، ونريد مصلحة القضاء، فهناك ظروف مؤاتية حالياً للإنماء ويجب أن نستغلّها».
لا شكّ في أنّ إعادة شدّ عصب «التيار» من المهمات الصعبة، ولا يُنكر خطار أنّ هناك مشكلة في تمثيل الجرد، فـ«التيار كان يجب أن يخوض الإنتخابات بمرشحين، لكنّ الصوت التفضيلي دفع بالأمور الى اتّجاهات معيّنة».
ويعمل «التيار الوطني الحرّ» حالياً في البترون على خوض إنتخابات 2022 بمرشحين، في حين أنّ القاعدة العونية في الجرد كما القاعدة القواتية، وتحديداً في تنورين، تطالب بمرشّح منها، إلّا أنّ هناك صعوبات كثيرة تحول دون هذا الأمر. فباستثناء القيادي في «التيار» الدكتور سايد يونس، لا يوجد أيُّ قيادي عوني آخر يحمل صبغة حزبية، قادرٌ على خوض الإنتخابات. كذلك، فإنّ هناك صراعاتٍ قدّ تنشأ بين الأشخاص الذين ينتمون الى البيوتات السياسيّة التقليدية القريبة من باسيل وخصوصاً من آل يونس في تنورين وبين الحزبيّين في «التيار»، وهذا الصراع موجود دائماً ليس في تنورين فحسب بل في كل مناطق لبنان، علماً أنّ هناك شخصياتٍ كثراً من كل العائلات في تنورين يدورون في فلك «التيار» غير حزبيين ولا ملتزمين وليسوا من حملة البطاقات.
وأمام هذا الواقع الإنقسامي في تنورين التي تستعدّ لانتقال رئاسة البلدية فيها من الرئيس الحالي بهاء حرب الى نائب الرئيس الحالي سامي يوسف، وعدم إتفاق الشخصيات التنوريّة على رجل واحد لقيادة المرحلة المقبلة، فإنّ الجميع يتوقّع أن يبقى الستاتيكو الموجود حالياً قائماً، في حين أن لا مشكلة تمثيل في الوسط أو الساحل.
وبالتوازي مع الإهتمامات الوطنية، فإنّ إهتمام باسيل في منطقة البترون يدخل في سلّم أولوياته، فهل ستنجح خطواتُه بإحداث نقلة نوعية، أم أنّ مسلسل التراجع سيستمرّ؟