تحولت لعبة الأنفاق الإسرائيلية إلى لعبة كرة طاولة إعلامية، بين العدو الإسرائيلي وحزب الله. صورة مقابل صورة. وشعار بوجه شعار. مع كل نفق تزعم اسرائيل اكتشافه، يُخرج حزب الله ردّاً إعلامياً، تارة بمشهدية شبان يدخنون تحت أنظار جنود الإحتلال، وطوراً بمشهدية أطفال يرفعون علم الحزب، وما بينهما من جولة الدراجات النارية.
وسط كل هذه الضوضاء الإعلامية، والإعلان الإسرائيلي عن اكتشاف نفق ثالث للحزب. يبقى المشهد بانتظار تحقق قوات الطوارئ الدولية منه بعد التحقق من النفق الثاني.
الرأي العام الإسرائيلي أولاً
تبدو الصورة وكأن المشهد تحول إلى مسرحية يجري فيها تبادل للأدوار. يعتبر حزب الله إن الإسرائيليين لجؤوا إلى لعبة الأنفاق، للإستثمار فيها بالداخل، إنتخابياً وسياسياً. لكن أساليب نتنياهو لم تنطل على الإسرائيليين، الذين اعتبروا أن ما يقوم به غير مقبول، وهي لعبة مكشوفة. ولعلّ الموقف الذي علّق به وزير الدفاع الاسرائيلي المستقيل، أفيغدور ليبرمان، على عملية "درع الشمال"، خير دليل على إدخال هذه العملية في سياق الحسابات الإنتخابية، إذ اعتبر ليبرمان أن: "حزب الله واثق من نفسه، ونحن نعظم من شأنه".
أراد ليبرمان التناغم مع رأي عام إسرائيلي، ينتقد تحركات نتنياهو، ويصفها بأنها لن توصل إلى أي مكان. فالمجتمع الإسرائيلي، كما المؤسسة العسكرية، غير جاهزين للدخول في حرب واسعة أو مفتوحة. وكل ما يجري، لن يسهم في رفع معنويات جمهور نتنياهو، بينما سيؤدي إلى خدمة حزب الله، وإظهاره قوة قاهرة، قادرة على الوصول إلى الأراضي المحتلة.
تمهيد خطير
ثمة رأي مخالف لهذه الرؤية ، يعتبر أن الإسرائيليين يراكمون ملف الهجمة الديبلوماسية على حزب الله ولبنان، من خلال هذه الإثباتات التي تتحقق منها اليونيفيل، وتثبت أن حزب الله خرق الخط الأزرق، وعمل على تشييد أنفاق في نطاق عمل القرار 1701، على أن تكون هذه الإثباتات مستندات تستخدمها إسرائيل لاحقاً، في أي لحظة جنون، لتبرير قيامها بعمل عسكري ضد لبنان، ولحشد أكبر قدر ممكن من الدعم الدولي، وتحويل الدولة اللبنانية إلى صورة تمثّل غطاء لأنشطة حزب الله.
حتى الآن، المسار المتّبع إسرائيلياً، يشير إلى تحول كبير في مفهوم الصراع. فبعد أن تجلّى أسلوب الضربات المتقطعة، في جنوب سوريا، من أجل الوصول إلى لحظة تفاوض مناسبة مع إيران، تؤمن حدود إسرائيل، فقد تبدل الأسلوب مع لبنان، واتخذ الصراع شكلاً آخر. أوحى الإسرائيليون من خلال فتحهم لملف الأنفاق، وإدعائهم بأن عملية البحث عنها ستكون طويلة، أن عنواناً جديداً ستفرضه على هذه المرحلة، هو الحرب الإعلامية الأمنية المفتوحة، على تظهر إسرائيل أنها لا تريد الدخول بحرب مباشرة ولا بمواجهة شاملة. لكنها، عملياً، بدأت حرباً من نوع آخر، تستعيض بها عن الحرب المفترضة والتي لطالما هددت بالقيام بها.
بانتظار إيران
وأبرز ما يسقط الدعاية الإسرائيلية في ما بعد مسألة ملف الأنفاق، هو أن الخطاب الإسرائيلي تركّز في الفترة السابقة على نجاح حزب الله بنقل الصواريخ البعيدة المدى، والكاسرة للتوازن، من سوريا إلى لبنان. ثم جاء وصف إسرائيل للبنان ومطار بيروت الدولي بأنهما تحولا قاعدة عسكرية لإيران وحزب الله. فلماذا إذاً معركة الأنفاق التي لن تؤثر على هذه البنية الصاروخية، ولا على السلاح الكاسر للتوازن، ولن تمنع تحول لبنان إلى قاعدة إيرانية؟ ربما هي تهدف إلى تحييد الأنظار عن هذه المعضلة الجوهرية لإسرائيل، والاستعاضة عنها بمعركة إعلامية جديدة تجسّدت بكشف الأنفاق.
ربما يراهن الإسرائيليون على مسألتين أساسيتين، أولاً تحويل لبنان إلى دولة مارقة، خاضعة لإيران وحزب الله، وبالتالي لا بد من فرض عقوبات عليه. وثانياً يبقى الرهان الإسرائيلي الأساسي على ما ستؤول إليه المفاوضات بين الإيرانيين والأميركيين حين تبدأ. إذ ينتظر الإسرائيليون نتائج العقوبات على إيران. وإذا ما كانت ستمهد الطريق أمام تسوية جيدة، تقدّم بموجبها طهران بعض التنازلات، بما يكفل توفير الأمن الإستراتيجي لإسرائيل، ما بين الجنوبين اللبناني والسوري.
يصح هكذا احتمال، لأن إسرائيل تعتبر المرحلة الحالية موقوفة على اقتطاع الحصص، ومناطق النفوذ في المنطقة، وتحديداً في سوريا. ولذلك، لا بد من أن تدخل على الخطّ مباشرة لتحقيق أهدافها.
هذا كله مرتبط بما ستحققه إسرائيل من خلال الدور الأميركي، الذي أبلغ رسالة واضحة إلى لبنان قبل أيام، بأن عملية الأنفاق لن تؤدي إلى حرب أو مواجهة عسكرية، ولكن بحال عدم تحقيق الأهداف الإسرائيلية، فإن بوابة الإبتزاز ستكون مفتوحة على كل الإحتمالات، بما فيها اللجوء إلى ضربات عسكرية، مصيرها في النهاية سينتهي على طاولة مفاوضات بشكل أو بآخر.