يوماً بعد يوم تزداد الأزمة الحكومية تعقيداً، ويبدو أننا أمام عاصفة داخلية بدأت تلوح في الأفق حيث أن التصعيد السياسي بلغ ذروته على كل الجبهات، ورسمت مراجع سياسية صورة قاتمة عن الوضع الحكومي، مبدية خشيتها من إنزلاق الأمور إلى تعقيدات أكبر، خصوصاً بعدما تخطّت الأزمة الملف الحكومي ودخلت إلى خانة الصلاحيات الدستورية لبعض السلطات، بالتوازي مع ما نُسب الى رئيس الجمهورية من حديث عن بديل للرئيس المكلف سعد الحريري.
وبحسب هذه المراجع، فإنّ الحديث عن مخارج وحلول وَسْطَ هذه الأجواء ليس في محله، ذلك أنّ الأمور بالإشكالات التي طرأت على خط الرئاستين الأولى والثالثة تُنذر بانعدام إمكانية بلوغ حلول، وبالتالي بتعطيل طويل الأمد. بالتوازي، ظهرت أكثر فأكثر "مناطق غير واضحة دستورياً"، أو يُراد لها أن تكون بهذا الالتباس، على أساسها يجري الإمعان في العرقلة والتعطيل. انطلاقاً من هذه "المناطق غير الواضحة دستورياً" يجري تعطيل ما هو واضح دستورياً. مرة بالميثاقية، مرة بالتغلّب.
ومن الصعب للغاية استشراف كيف يمكن أن يتجاوز البلد النقطة العالقة الحالية، التي أُسر بها منذ نهاية الإنتخابات النيابية قبل سبعة أشهر. كل هذا ونحن لسنا الحقيقة في مشهد انقسام بين جبهتين عريضتين، على امتداد البلد، كما في فترة الإنقسام بين 8 آذار وبين 14 آذار. لم تغادرنا آثار هذا الإنقسام تماماً، لكن الحالة مختلفة للغاية اليوم، والنقاش لا يتمحور في الوقت الحالي حول "المسائل السيادية" أو حول نظرتين مختلفتين للسيادة، وللوطنية، كما كانت الحال قبل عقد من الزمان.
إقرأ أيضا : الدستور واضح لا داعي للتذاكي
منذ أكثر من خمس سنوات دخلنا فعلياً في النقاش حول معايير التمثيل الصحيح بين الطوائف، وبين الجماعات السياسية الطائفية، وعلى قاعدة الفصل التعسفي الى حد كبير، بين سؤال "من يتمثّل" وبين سؤال "من يسود"، ومن دون معالجة هذا الفصل أخذنا أكثر فأكثر بعد الإنتخابات الأخيرة، ننتقل من معضلة البحث عن صحة التمثيل البرلماني إلى معضلة صحة التجسيد الحكومي للأوزان والأحجام البرلمانية، لكنها معضلة تبحث خارج المسار المُمأسس، الدستوري، مرة بداعي الميثاقية، ومرة بداعي الإقرار بمعادلة التغلّب واللاتوازن على أنهما من طبائع الأمور في البلد، لصالح فئة دون سواها .
حيث تسعى بعض القوى إلى لجم فتيل التوتر السياسي بين الرئاستين، خاصة أن البلد بحاجة إلى تعاضد في هذه الفترة، في ظل الرياح التي تهبّ عليه من الجنوب، ولا بد من مراقبة ما يجري بحذر واتخاذ أقصى التدابير لمواجهة أي طارئ.
وفيما الوضع القائم يفرض الإسراع في الذهاب إلى تشكيل الحكومة، إلا أن الأساس يبقى لصون الإستقرار ومعادلة التهدئة في الداخل، وليس الإستثمار بالخلافات بين الرئاسات، خاصة أن من يسعون للإستثمار بهذا النوع من الخلافات كثر، وهذا في نهايته سيقود إلى أزمة نظام ولن يقتصر على أزمة سياسية فقط.