رمى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حجرا في المياه الحكومية الراكدة، بسلسلة مشاورات للبحث الجدي في العراقيل التي تؤخر الولادة المنتظرة، لا سيما ″العقدة السنية″، والتي بدأها يوم أمس بلقاء الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري كل على إنفراد، على أن يستكملها بلقاءات أخرى مع الأطراف المعنية بهذه ″العقدة″ وفي مقدمها حزب الله، بهدف إيجاد تسوية ترضي الجميع وتساهم في أن تبصر الحكومة النور بعد أن تجاوزت مهلة التكليف عتبة الـ 200 يوم.
ربما أدرك رئيس الجمهورية أن ″الرسالة″ التي هدد بتوجيهها الى مجلس النواب للطلب منه البحث في التعثر الحكومي الحاصل، لن تجدي نفعا ولن يكون لها أي مردود إيجابي على صعيد إيجاد الحلول، بل على العكس، فإنه سيكون لها تداعيات سلبية جدا على علاقته بالرئيس الحريري وعلى التسوية التي جاءت بالرجلين الى السلطة، فضلا عما يمكن أن تحدثه من نقاش قد لا ينتهي حول دستورية هذه الرسالة، وما يمكن أن ينتج عنها من تثبيت التكليف أو سحبه، خصوصا بعد الثورة السنية التي تمثلت بالاعتراض الشديد من قبل رؤساء الحكومات السابقين الذين إستهجنوا طرح هذا الأمر معتبرين أنه ″هرطقة″ لا سابقة لها في الدستور، وتنال في الوقت نفسه من صلاحيات وحضور وهيبة موقع رئاسة الحكومة.
أمام هذا الواقع، يبدو أن الرئيس عون أجرى مراجعة ذاتية للخطوة التي كان ينوي القيام بها أو التي كان يحاول البعض دفعه إليها، ووجد أن يستبدل توجيه الرسالة الى مجلس النواب، بسلسلة مشاورات يدعو إليها في قصر بعبدا، تهدف الى البحث الجدي في الأزمة الحكومية بشكل دستوري ومن دون إثارة حفيظة أو غضب أي مكون لبناني.
يمكن القول أن خطوة المشاورات الرئاسية بغض النظر عن النتائج التي يمكن أن تحققها، كانت موفقة من رئيس الجمهورية خصوصا أنه أصاب من خلالها أكثر من عصفور بحجر واحد، لجهة كسر الجمود الذي كان يخيم على عملية التأليف، وإعطاء أمل جديد للبنانيين بامكانية أن يفضي هذا الحراك الى تشكيل الحكومة، وسحب فتيل التوتر من الشارع، وإقفال ملف حادثة الجاهلية الذي بات في عهدة القضاء، علما أن الانجاز الأمني لـ″شعبة المعلومات″ والذي كشف عنه وزير الداخلية نهاد المشنوق، أعاد الأمور الى نصابها وطوى صفحة الجاهلية، وأكد على حرفية “المعلومات” في حماية لبنان من الارهاب من خلال العمليات الأمنية الاستباقية.
في الانطباعات الأولية حول هذه المشاورات، يبدو أن الرئيس نبيه بري الذي خرج من قصر بعبدا من دون الادلاء بأي تصريح، مكتفيا برفع يديه الى السماء، ما يزال يتمسك بالدعاء، بانتظار النتائج التي يمكن أن يحققها الرئيس عون، في حين أن الرئيس الحريري أوحى بعد اللقاء بأن الكرة ليست في ملعبه، وأن كل الأطراف السياسية باتت على معرفة بموقفه، وبالسقف الذي يمكن أن يقبل به، ولعل إعلانه بأنه سيسافر اليوم الى بريطانيا، كان بمثابة رسالة واضحة بأنه غير معني بهذه ″العقدة″ التي تمنى أن يعود الى لبنان ويكون رئيس الجمهورية قد وفق في إيجاد الحل لها.
تشير مصادر سياسية مطلعة الى أن المشاورات هي أمر إيجابي، لكن قد تكون مضيعة للوقت إذا ما تمسك كل من المعنيين بالعقدة السنية بموقفه، لافتة الانتباه الى أن الجيمع بات على يقين بأن الحل بين يدي رئيس الجمهورية بتسمية وزير سني من حصته يشكل تقاطعا بينه وبين حزب الله والنواب السنة الستة، أو أن يكون أحد أعضاء اللقاء غير المستفزين، وما دون ذلك يبقى ذر للرماد في عيون اللبنانيين.