الحماوة التي صبغت المشهد السياسي باللون الأسود وكادت أن تطيح بالتسوية الرئاسية في الأسبوع الماضي، عادت وسلكت مطلع هذا الأسبوع طريق الحوار الهادئ بين الرؤساء الثلاثة للخروج من أزمة تشكيل الحكومة العالقة على شماعة تمسك حزب الله بتوزير أحد النواب السُنَّة الستة التابعين لقوى الثامن من آذار، وإلحاقاً بهذا القرار ما تسرب في ذلك الأسبوع من معلومات رسمية وشبه رسمية عن نية رئيس الجمهورية توجيه رسالة إلى المجلس النيابي يضعه أمام مسؤولياته الدستورية بالنسبة إلى استمرار التعثر في تشكيل الحكومة، وما صدر من ردود فعل غاضبة عن مصادر الرئيس المكلف بإعتبار ان هذا التوجه لرئيس الجمهورية يمس بصلاحيات الرئيس المكلف التي لا تقيده بمهلة زمنية لتشكيل الحكومة، ولا تعطي مجلس النواب أية صلاحية في نزع التكليف عنه.
وكاد هذان الموقفان المتعارضان لرئيس الجمهورية وللرئيس المكلف ان يطيحا بالتفاهم القائم بينهما على خلفية التسوية الرئاسية وأن تتحوّل أزمة تشكيل الحكومة إلى أزمة وطنية راح البعض يتحدث عن مخاطرها على مجمل الأوضاع التي تشكو أساساً من الركود والتردي، نتيجة الاطالة في عمر أزمة تشكيل الحكومة.
وكما سرّب عن الاجتماعين المنفصلين اللذين عقدهما رئيس الجمهورية مع رئيس مجلس النواب ومع الرئيس المكلف تركز على البحث عن مخرج لإحتواء الأزمة القائمة، تحفظ حقوق الجميع، ولا تخل بالتوازن المطلوب لقيام الحكومة، لأن أي إخلال بهذا التوازن من شأنه أن يدفع البلد نحو المجهول في الوقت الذي يجب ان تتضافر فيه كل جهود المعنيين على الساحة الداخلية لإحتواء هذه الأزمة بأقل الخسائر الممكنة. وثمة من يقول أن رئيس الجمهورية أقدم على هذه المبادرة، كبديل عن الرسالة التي كان يعتزم توجيهها إلى المجلس اللبناني بعدما تأكد له أنها ستزيد من تعقيد الأزمة القائمة، وتحولها إلى أزمة حكم بدلاً من أن تشكل مخرجاً لائقاً وتوافقياً للأزمة الحكومية العالقة على شماعة الشرط التعجيزي الذي وضعه حزب الله قبل اللحظات الأخيرة التي كان رئيس الجمهورية يستعد فيها لإصدار مراسيم التشكيلة الحكومية التي قدمها إليه الرئيس المكلف بعدما استكمل كل مشاوراته مع الكتل النيابية بما فيها حزب الله، وتم الاتفاق على توزيع الحصص، وفق المعايير التي اتفق عليها خلال المشاورات التي استغرقت أكثر من خمسة أشهر.
والسؤال الذي يطرح هل حصل رئيس الجمهورية على ضوء أخضر من حزب الله حتى أقدم على هذه الخطوة التي أعادت الحياة إلى الحوار البنّاء الذي يُفضي إلى حل توافقي لا يكون في مطلق الأحوال على حساب الرئيس المكلف الذي يستمد شرعيته من الدستور، أم أنها مجرّد محاولة جديدة لتبريد الأجواء السياسية الساخنة والمشحونة؟
إن الساعات القليلة المقبلة وحدها كفيلة بالاجابة على هذه الأسئلة.