يشعر رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالمرارة من استمرار الفراغ الحكومي الذي بلغ أكثر من الستة أشهر ونصف الشهر، فيما لا ينفك يحاول الدفع في اتجاه إيجاد الحل الوسط لاشتراط “حزب الله” تمثيل النواب السنة الستة الحلفاء له بوزير منهم ولرفض الرئيس المكلف سعد الحريري تحقيق هذا المطلب.
وإذا كان القلق على الأوضاع الاقتصادية التي لا ينفك التحدث عنها، وراء تلك المرارة في ظل الحاجة الملحة لقيام حكومة تنكب على معالجات هذه الأوضاع، فإن زواره يشيرون إلى أن من أسبابها استمرار انسداد الأبواب أمام اقراحات المخارج التي طرحت، والتي ترسو بالنسبة إليه على مخرج يبدو وحيدا وفق ما يخرج به هؤلاء الزوار من استنتاج بعد لقائهم به.
قبل اجتماعه برئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد ظهر أمس نقل زوار رئيس البرلمان عنه لـ”الحياة” قوله إن المخرج الوحيد هو في أن يعين الرئيس عون واحدا من النواب السنة الستة، من حصته.
ويستعين بري أمام هؤلاء الزوار بالقول المأثور لشرح وجهة نظره: “القيّم على الأمر عليه أن يدفع المهر”. ولا يخفي بري لزواره أن المقصود الرئيس عون بأن عليه أن يضحي وأن يدفع المهر من أجل تسهيل قيام الحكومة، بأن يتخلى علن الوزير السني الذي اتفق مع الرئيس الحريري على أن يتبادل معه وزيرا سنيا من حصته، بوزير مسيحي لمصلحة رئيس الجكومة، فيسمي رئيس الجمهورية بديلا منه، واحدا من النواب السنة الستة.
وحين يُسأل بري عما إذا كان الرئيس الحريري يقبل بواحد من النواب السنة الستة الحلفاء لـ”حزب الله” حتى لو جرت تسميته من حصة الرئيس عون يجيب: “هذه اتركوها عليّ. أنا أبذل عندها جهدا مع الحريري كي أقنعه. لكن لا أستطيع أن أقوم بأي جهد إذا لم يبدأ الأمر من عند الرئيس عون، بأن يضحي هو ويتخلى عن الوزير السني من حصته ليعين بديلا منه يرضي مطلب تعيين النواب السنة الستة”.
وينقل زوار رئيس البرلمان عنه تأكيده أنه “لن أضغط على سعد الحريري كي يضحي أكثر وهو لا يحتمل المزيد من الضغوط، لأن جمهوره وجماعته لم يعودوا يقبلون منه التتنازل أكثر، وأنا أدرك ذلك. وعن قول الرئيس عون كما نقل عنه بأنه قدم تضحيات لتسهيل تأليف الحكومة، يسأل بري: “ألم يحصل الرئيس عون على حصة 10 وزراء زائد الوزير الدرزي الذي حصل عليه بدلا من الوزير طلال أرسلان نتيجة قبول رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط؟ وهو نال ما يريد لجهة تحديد حصة حزب “القوات اللبنانية” بأن أخذ منه حقيبة رئيسة كان يطالب بها، وهل إذا أعطاهم نيابة رئاسة الحكومة التي هي بلا حقيبة مسألة مهمة”؟
ويضيف الزوار لـ”الحياة” أن بري يعتقد “أني ضحيت والحريري ضحى ووليد جنبلاط كذلك، وأرى أن دور الرئيس عون أن يقدم على خطوة. وإذا قيل أن الوزير السني الذي يمكن أن يسميه إرضاء للنواب الستة، لن يكون محسوبا عليه بل على “حزب الله”، أفليس “حزب الله” حليفه فعليا وسيقف معه؟
ويستبعد زوار الرئيس بري أن يطلب “حزب الله” من الرئيس عون أن يضحي من حصته كي يتم إيجاد المخرج المناسب، لأن الحزب اكتفى بالقول أنه يوافق على ما يوافق عليه النواب الستة الحلفاء ودعا إلى التفاوض معهم.
ومع أن الوسط السياسي اللبناني ووسائل إعلامية تتداول معلومات عن أن أحد المخارج المقترحة هو رفع عدد وزراء الحكومة من 30 إلى 32 وزير، وأن بري يوافق على هذا المخرج، ولا يمانع في أن يحصل الرئيس الحريري على الوزيرين العلوي والسرياني الإضافيين تعويضا له عن تعيين الوزير السني من حصة الرئيس عون، قالت المصادر المطلعة على موقف بري لـ”الحياة” إن اقتراحه الأساس هو تسمية وزير من النواب الستة من حصة عون، وأنه لم يمانع في حال جرى هذا التعويض للحريري بالوزيرين الإضافيين، أي أن يسمي الرئيس المكلف الوزير العلوي والوزير السرياني. لكن إزاء رفض الرئيس الحريري زيادة أعضاء الحكومة إلى 32 وزيراً فإن رئيس المجلس بقي على اقتراحه أن يتخلى عون عن الوزير السني الذي كان من حصته، ليسمي وزيرا من النواب الستة في “اللقاء التشاوري”. وتشير مصادر بري إلى أن فكرة زيادة عدد الوزراء جاءت من رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل، وأن الأخير اقترح أن أن يحصل الرئيس الحريري على الوزير العلوي والرئيس عون على الوزير السرياني، بحيث تصبح حصته 12 وزيرا إذا احتسبنا الوزير الدرزي الذي اختاره من بين لائحة الأسماء التي اقترحها عليه أرسلان، في خانته.
وتشير المصادر المطلعة على موقف بري إلى أن الأخير لا يصر على اقتراح الـ32 وزيرا، وأنه يفهم هاجس الحريري بعدم إضافة وزير علوي حتى لو كان من اختياره هو، لأن أي وزير علوي يمكن أن يخضع لضغط سوري بأن يكون منحازا للقيادة السورية ولمحور الممانعة، حتى لو جرت تسميته من قبل الرئيس الحريري. كما تقول مصادر بري لـ”الحياة” إن الرئيس عون كان أبدى ليونة إزاء تسمية الوزير السني من النواب الستة من حصته، لكن الوزير باسيل نجح في تغيير توجه عون لمصلحة اقتراحه بزيادة عدد الوزراء، وحصول عون على أحد الوزيرين الإضافيين.
ما فائدة الرسالة؟
وتشير مصادر أخرى متقاطعة، نيابية ووزارية إلى أن الانطباع الغالب هو أن باسيل، على رغم أنه استمع من بري إلى المخرج الذي يعتقده الأخير الوحيد بتعيين الوزير السني من حصة رئيس الجمهورية، فإن وزير الخارجية أخذ الاقتراح من بري لكنه راح يدور في جولاته على الأطراف ليروّج لـ3 مخارج وما شابه، لأنه لا يريد للرئيس عون أن يتنازل عن السني الذي من حصته لمصلحة سني ينهي مشكلة التأليف. وذكر مصدر وزاري لـ”الحياة” أن عون اقتنع من باسيل بصيغة الـ32 وزيرا، لتسمية الوزير السني من 8 آذار من حصة الحريري، “فنرضي بذلك الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله على “أن أربح وزيرا إضافيا هو الوزير السرياني، ويعطى الحريري الوزير العلوي بدلا من السني الذي يكون تخلى عنه”. إلا أن رفض الحريري الفكرة بالمبدأ حال دون ذلك وتسبب بخلافه مع الرئيس عون.
وحول إمكان توجيه الرئيس عون رسالة إلى البرلمان عن استمرار أزمة تأليف الحكومة ليقوم النواب بالمقتضى بعد أن طالت أزمة التأليف، قال أحد زوار بري لـ”الحياة” إن الأخير يتساءل عن مدى فائدة هذه الخطوة. ويلفت بري إلى أنه سمع بأن هناك رسائل توجه على مواقع التواصل الاجتماعي موجهة إلى النواب بأن من يحضر منهم الجلسة النيابية التي تعقد لهذه الغاية سيصنف على أنه خائن لطائفته. ويرى بري في هذه الحال أن النواب السنة المعارضين للحريري سيتغيبون قبل كتلة “المستقبل” حفاظا على قاعدتهم السنية في مناطقهم وفي هذه الحال إذا تغيب النواب السنة “ليس نبيه بري الذي يدعو إلى جلسة نيابية يتغيب عنها مكون أساسي في البلد، وأنا سبق أن قلت للرئيس وبعثت له برأيي حين لوح بتوجيه رسالة إلى البرلمان حين كان الخلاف قائما على تمثيل “القوات اللبنانية” وحصتها، بأن ما الفائدة من الرسالة إذا كانت ستؤدي إلى انقسام في المجلس من دون نتيجة”؟