قبل أيام وصلت رسائل تحذير أميركية إلى السلطة اللبنانية، حول خطورة ما يكتشفه الإسرائيليون على الحدود، لا سيما الأنفاق، التي ثبت وجودها وقد تخطّت الخط الأزرق. لكن الرسالة الأميركية أيضاً تنطوي على طمأنة إلى حدود معينة، بأنه لن تحصل مواجهة مفتوحة أو شاملة تنوي إسرائيل القيام بها حالياً. لكن لا شك أن الضغوط تتزايد ليس على حزب الله فقط، بل على الدولة اللبنانية أيضاً، وفق ما يترتب على تأكيد الأمم المتحدة لوجود نفق تخطّى الخط الأزرق لجهة المطلّة. وهذا ترافق مع مواقف إسرائيلية تصعيدية عديدة، كالتلويح باللجوء إلى التدخل في لبنان، أو القيام بعملية عسكرية لتدمير الأنفاق، وهذه بلا شك ستستدعي ردّاً من قبل حزب الله.
قراءة عربية خاطئة
ما وصلت إليه الأمور من تطورات ومواقف إسرائيلية، تشير إلى أن ما يرسم قد يصل إلى خطّ اللارجعة. على الرغم من أن الحرب ليس داهمة حالياً. فما يعمل عليه الإسرائيليون هو التركيز على النشاط الديبلوماسي، خصوصاً في ظل الأخطاء الإستراتيجية العربية، التي تعتبر أن أي تحرك إسرائيلي واسع، سيعمل على إعادة التوازن لموازين القوى. وهذه قراءة خاطئة بمجملها، ولا تسهم إلا بتبييض صفحة إسرائيل، كما تبييض صفحة من ستدخل معهم إسرائيل في حرب.
لا معطيات تفيد بأن إسرائيل أو حزب الله، سيذهبان إلى حرب مفتوحة. كل ما يجري يندرج في سياق التحضير للمرحلة المقبلة في سوريا، وتحسين المواقع والقدرات فوق الساحة السورية، التي يتنافس على النفوذ فيها الإسرائيليون والإيرانيون. ما يجري في جنوب لبنان، هو جزء من انعكاسات الصراع الحقيقي الدائر هناك، لأن الدعاية الإسرائيلية ترتكز على عدم نقل النفوذ الإيراني إلى لبنان، ومنع نقل الأسلحة المتطورة، بالإضافة إلى تأمين الحدود على الجهتين اللبنانية والسورية.
مراكمة المبررات
لكن بخلاف وجهة النظر هذه، تعتبر بعض القراءات أن ما هو متبع إسرائيلياً يشير إلى تدرّج تصاعدي في التأزيم، الذي تحول من سياسي إعلامي إلى ميداني. وبالتالي تخلص هذه القراءة إلى اعتبار أن الضربة لا بد لها أن تحصل، مهما طال الوقت، لا سيما أن هناك رأياً عاماً ضاغطاً في إسرائيل، سيعمل على محاسبة نتنياهو بحال لم يلجأ إلى اتخاذ إجراءات وقائية جدية وعملية، واتهامه بأنه يتلاعب بالأمن الإسرائيلي، من خلال إدعاءاته، إن لم يبرهنها ويتصدى لها.
وسيستند الإسرائيليون على جملة ملفات جرى إعدادها، من ملف الصواريخ وصور نتنياهو في الأمم المتحدة، إلى التحذيرات التي أوصلها العدو وفق القنوات الديبلوماسية الأميركية والفرنسية. الوقت الذي يمرّ يحاول الإسرائيلي الإستثمار فيه لمراكمة الملف، وتوزيع إدعاءات بأن حزب الله هو الذي خرق الحدود، متناسياً الخروقات اليومية التي يرتكبها طيران العدو للأجواء اللبنانية.
المعادلة المطروحة حالياً، هو أن إسرائيل لن ترضى باستمرار المعطى القائم، الذي تميل كفته لصالح الإيراني، ولا إيران سترضى بالتنازل وفق ما يرضي إسرائيل. ولذلك فإن المسألة تقف على حدود إحتمالين، إما الذهاب إلى مواجهة كبرى تأتي بعدها التسوية، أو الذهاب بعد الضغط السياسي إلى تسوية مباشرة. الوصول إلى إحتمال من هذين، سيكون مرتبطاً بالحسابات الأميركية، وبما يسعى الأميركيون إلى تحقيقه على الأرض، خصوصاً أن الحملات الإسرائيلية التي بدأت ضد حزب الله ولبنان، جاءت بعد سلسلة لقاءات لمسؤولين إسرائيليين مع الإدارة الأميركية، ما يعني أن هناك تطابقاً أميركياً إسرائيلياً حول هذه التطورات.
تسوية كلّية
عاجلاً أم آجلاً، بحرب أو من دونها، ستصاغ تسوية ما، لكنها لن تحتمل الجزئيات حينها، أي لا يمكن الإتفاق مع إيران في سوريا مثلاً، مع بقاء الخلاف معها في المنطقة ككل، من لبنان إلى العراق واليمن. وهذا لا ينفصل أيضاً عن عدم إمكانية تجديد الإتفاق النووي من دون الإتفاق على باقي النقاط. الملف مطروح بمجمله إذاً، وهذا يفترض مرور المزيد من الوقت والتطورات، للوصول إلى ما يبلور التوافق حول الحزمة الكاملة.
إلى أن تحين لحظة التوافق، فإن الفوضى والضغوط ستستمر، وفق ما يستنزف كل القوى باستثناء الأميركيين والإسرائيليين.