العقلية التي تُدار فيها أزمة تشكيل الحكومة لا تلحظ الإنهيار الإقتصادي القادم وتراجع معدلات النمو الإقتصادي التي تُشير بعض التقارير أنّه يُسجّل حالياً نسبة نمو 0.5%.
بل يبدو جلياً أن الهاجس الأساسي لدى أطراف الأزمة هو تحصيل أكبر كمّ من المكاسب السياسية للإستحواذ لاحقاً على مساحات نفوذ أكبر داخل مؤسسات الدولة وتقوية مراكزهم .
فالمعيار الوحيد المتفق عليه بين هؤلاء ، هو أن عدد الوزارات هو إنعكاس لمساحة نفوذ قادمة على صعيد المؤسسات تؤمّن حالة من البحبوحة لأحزاب الإئتلاف الحكومي الحاكم ، لا البحبوحة للمواطن اللبناني والنمو للإقتصاد ككل.
إذ أن الفساد والهريان والهدر والترّهل والعجز الحاصل يتطلب إجراءات لمكافحة هذه الظواهر لا لتعزيزها وتنميتها ، وأهم هذه الإجراءات لا شك هي وقف الهدر وضبط الإنفاق .
لكن ما يحصل يؤكد العكس ، إذ أن عقلية " الدكنجي" في إدارة البلد ، والشعور بالخوف على المصالح الخاصة لا الوطنية ، وضعف حسّ المسؤولية ، جعل مسؤولي البلد يُغالون في مطالبهم الحكومية .
ورغم شعارات الجميع ، قبل الإنتخابات وبعدها ، عن مكافحة الفساد وضرورة بناء الدولة القوية العادلة ، فإن ما يقومون به لا يعكس هذه الأجواء بل يؤكد حالك الهريان والفساد على مستوى عقول أصحاب السلطة أيضاً.
فلو أن هناك حقيقةً نيّة لمعالجة الوضع الإقتصادي الصعب الذي يعيشه اللبناني ، لما كانت هذه المغالاة موجودة والتضخم غير المسؤول في حجم الحكومة بل الذهاب إلى خيار خلق وزارات إضافية لا تُنتج خدمات بل تُسبّب هدر إضافي ، كالحديث عن حكومة من ٣٢ وزير أو ٣٦ وزير .
إقرأ أيضا : هل تستفيد المعارضة اللبنانية من حركة السترات الصفراء الفرنسية ؟
والمضحك في الأمر أن من يُطالب بحكومة (٣٢) أو (٣٦) هو نفسه من يدعو إلى مكافحة الفساد والهدر ، فهل سيُكافح الفساد في لبنان بوزارات لا ضرورة لها؟
وبالتالي ، لا بد من تغيير العقلية التي تُدار فيها أزمة الحكومة ، والذهاب إلى حكومة طوارىء - تكنوقراط تتألف من ٨ وزارات إضافة إلى رئيس الحكومة .
حكومة الطوارىء هذه من المهم أن تشمل الوزارات التالية :
- الداخلية
- الخارجية
- المالية
- الإقتصاد
- الدفاع
- الصحة
- التخطيط
- الشباب والرياضة
فبعض الوزارات الموجودة لا تستأهل أن تكون وزارة بحد ذاتها بل هي قطاعات يمكن دمجها في وزارة واحدة ، كوزارات الصناعة والزراعة والسياحة يمكن دمجها بوزارة واحدة هي الإقتصاد ووزارة الثقافة يمكن دمجها بوزارة الشباب والرياضة .
أما الصحة والمالية ، فمن المهم أن يبقيا وزارات مستقلة للأهمية القصوى لدورهما .
في هذه الحكومة ، وزارة التخطيط هي الأهم والأبرز ، ومن مسؤولياتها وضع الإستراتيجيات الكبرى لباقي الوزارات لتدارك الوضع .
وبالتالي ، هكذا حكومة ستُعزّر الثقة لدى المواطن اللبناني بدولته وتُشعره بأن هناك نيّة في محاربة الفساد وضبط الإنفاق .
هكذا حكومة هي بالدرجة الأولى من مسؤولية رئيس الجمهورية ، وهو من يجب أن يدفع بإتجاه تشكيلها ، لأن باقي الصيغ الحكومية لن تكون على قدر طموحات اللبنانيين ولن تستجيب لمقرّرات وإصلاحات مؤتمر سيدر ١.
وحقيقةً ، هناك خطورة كبيرة في أن تلجأ الطبقة السياسية إلى خيارات إنتحارية عبر صيغ مضخّمة للحكومة ، فالوضع خطير جداً وضرورة ضبط الإنفاق ومكافحة الفساد أصبحت حاجة إستراتيجية .
والأهم أن مقرّرات مؤتمر سيدر ١ وإصلاحاته لن تُبصر النور بهكذا حكومة مضخّمة ثلاثينية وبعقلية " الدكنجي " ، وأي حكومة مُضخّمة آتية ستزيد الوضع تعقيداً وستأتي لنا بالمزيد من مؤتمرات سيدر وباريس والمزيد من الديون.