عارياً وقف سعد الحريري بالأمس، بعد أن نزع عنه رئيس الجمهورية آخر غطاء سياسي وتركه وحيداً بمواجهة حزب الله وإملاءاته الحكومية، فكان بيان المكتب الإعلامي لقصر بعبدا بمثابة تمزيق فخامة الرئيس لبنود التسوية الرئاسية والتحالف الثنائي بين التيار الليموني والتيار الأزرق.
لم يكن هذا الفعل بالمستهجن ولا هو غريب عن أداء الليموني، فكل أدائه السياسي منذ ما بعد عودة الجنرال قائم أصلاً على التخلي السريع عن الحلفاء فضلاً عن الشعارات والمبادئ والأسس والخيارات من أجل تحقيق مصالح حزبية ضيقة هذا إن لم نقل مصالح شخصية أضيق.
إقرأ أيضًا: هل تدخل إسرائيل من نفق كفركلا؟!
هذا ما حصل مع القوات اللبنانية، حيث داس رئيس التيار العوني توقيعه على ورقة تفاهم معراب، وهذا ما يحصل الآن مع ورقة التسوية الرئاسية مع الرئيس المكلف.
قد يقول قائل هنا بأن هذه ما هي إلا مقتضيات العمل السياسي، وهذا يقع ضمن شروط اللعبة حيث المصالح أولاً وأخيراً (على الطريقة المكيافيلية)، أما نحن فنقول بوجود حد أدنى من أخلاقيات العمل السياسي خاصة إذا ما كان التخلي عن الحليف لا يصب بخدمة الأهداف الكبرى، مما يعني أن تحصيل أرباح مؤقتة سوف تليها على المدى الأبعد خسائر إستراتيجية وهذا ما سوف يصيب التيار العوني بمراحل لاحقة كما أصابه في مراحل سابقة أظهرتها بوضوح نتائج الإنتخابات الأخيرة.
بالعودة إلى سعد الحريري، المتحصن دستورياً بتكليفه أولاً، وبالحاضنة السنية ثانياً،بالإضافة إلى شبكة علاقاته الدولية، فعليه أن يعي بأن موقعه الآن هو الأقوى وإن بدا وحيداً في ميدان المواجهة بشرط أن يُحسّن إعادة نسج مروحة أمان حوله قائمة أساساً على جناحين سياسي عبر ترميم تحالفه مع القوات اللبنانية ودستوري من خلال الرئيس نبيه بري.
إقرأ أيضًا: حزب الله من الوصاية إلى الجاهلية
مع الأخذ بعين الإعتبار أن التحولات الدولية والإقليمية تصب في مصلحة حاجة حزب الله على الإسراع بتشكيل حكومة يضمن من خلالها تمرير عاصفة العقوبات بأقل ضرر، مما يعني أن الضغوط في الأيام القادمة سوف تنصب أكثر على فخامة الرئيس بشكل أكثر وضوحاً مما هي عليه الآن، ولن يطول الوقت قبل تقديم جبران باسيل التنازل من حصته والسير صاغراً بإملاءات الحزب عليه مما يسهل حينئذ التشكيل.
أعتقد أن هذه المعطيات وغيرها ليست غائبة عن ذهن الرئيس المكلف، مما يعني أن كل المطلوب منه هو المزيد من الصمود والإصرار على حماية موقعه الدستوري وما تبقى من هيكل الدولة ومؤسساتها، وأتصور بأن هذا هو التوجه الذي سوف يسلكه سعد الحريري.