شغل الطرح الرئاسي بالعودة إلى مجلس النواب، الأوساط السياسية على اختلافها، خصوصًا وأنّه فُسّر على أنّه خطوة رئاسية تصعيدية في وجه الرئيس المكلّف، وإن حصلت فمعنى ذلك إسقاط القطيعة الكاملة بين عون والحريري، علمًا أنّ هذا الطرح الرئاسي، ترافق مع تفسيرات مؤيّدة لهذا الطرح، تولّى تسريبها بعض المقرّبين، وتفيد بأنّ العودة الى مجلس النواب أمر طبيعي، فمن أعطى التكليف، أي النواب، في مقدوره أن يسترجعه.
هذه التفسيرات اعتبرتها مصادر مجلسية سياسية نقلًا عن صحيفة "الجمهورية"، تنطوي على محاولة لخلق أعراف جديدة، خصوصًا وأنّ الدستور يحدّد بوضوح آلية تشكيل الحكومة، ويحصرها بالرئيس المكلف بالتفاهم مع رئيس الجمهورية، ولا يقيّده بمهلة زمنية للتشكيل، قد تكون هذه ثغرة أساسية في الدستور، ولكن النص واضح ومقفل عند هذا الامر، فضلًا عن أنّه لا نصّ في الدستور يجيز للنائب الذي صوّت في الإستشارات النيابية المُلزمة لتسمية الرئيس المكلف، أن يسترجع صوته.
ومعنى ذلك، كما تقول المصادر المجلسية، انّ العودة إلى مجلس النواب من قِبل رئيس الجمهورية، لن تكون ذات قيمة، إذ أنّها لن تؤخّر ولن تقدّم في مسألة التكليف، بل أنها قد تأتي بمردود عكسي، يحوّل مجلس النواب في حال تمّت هذه العودة، إلى حلبة سجال، لا بل الى ساحة معركة سياسية قاسية، تعرف كيف تبدأ ولا تعرف كيف تنتهي، وبالتأكيد لن تكون مفاعيلها محصورة في ساحة النجمة، بل ستتمدد حتمًا إلى الساحات السياسية والطائفية.
من جهة أخرى، لفتت المصادر نفسها، أنّ مثل هذه العودة تصح في حالة وحيدة، وهي أن يُصار الى تعديل الدستور والنص عليها صراحة، ولا شك أنّ ثغرات كبرى تعتري الدستور تتطلب التعديل والتوضيح والتفسير، الا أنّ السؤال الذي يُطرح هنا، هل ان لبنان مؤهّل حاليًا لتعديل دستوري من هذا النوع، أو بالأحرى هل هو قادر على المغامرة في ملامسة الدستور؟ بالتأكيد، أنّ أكثرية القوى السياسية تريد تعديل الطائف وبعضهم يريد نسفه من أساسه.
وتخلص المصادر الى القول: "أنّ مقاربة الدستور في هذه المرحلة، ولو بصورة غير مباشرة عبر مواقف وطروحات تؤدي الى هذه المقاربة، كمن يفتش على مشكل كبير وخطير، كذلك فان محاولة فتح الباب الى تعديل الدستور وتحت أي عنوان حتى ولو كان سطحيًا وليس جوهريًا، معناه فتح بازار التعديلات على مصراعيه، وأكثر من ذلك فتح المعركة الكبرى على كيفية تحديد الصلاحيات لكل الرئاسات والسلطات، وبالتأكيد لن تعرف لهذه المعركة حدودها ولا مُدَدُها".