فجأة تذكر رئيس الجمهورية أن أزمة تشكيل الحكومة تفاقمت وبات استمرارها يُشكّل خطراً محدقاً على البلد، وانه لا بدّ من وضع حدّ لهذا التفاقم في أسرع وقت وقبل أن يسقط الهيكل على رأس عهده الذي انتهى ثلثه وأكثر من دون أية انتاجية تذكر سوى اجراء الانتخابات النيابية على أساس قانون هجين بل وعجيب وغريب لأنه لا يقارب النسبية الا في الاسم فقط،، ويبادر أمام زواره من نواب وغير نواب إلى الإعراب عن استغرابه لأن الرئيس المكلف تشكيل الحكومة يكثر من زياراته الخارجية، وكأنه يُشير بذلك إلى أنه - الرئيس المكلف - لا يعنيه استمرار البلاد من دون حكومة.
ومن المؤسف أن رئيس الجمهورية ينسى إنه هو المشكلة وعنده الحل وليس عند أي طرف آخر لأنه هو الذي رفض أول تشكيلة وضعها الرئيس المكلف بعد جولات من المشاورات مع رؤساء الكتل النيابية الأساسية، مستنداً في ذلك إلى وثيقة الوفاق الوطني وإلى الدستور الذي نص على ان تشكيل الحكومة يتم بالتشاور بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وأدى هذا الرفض إلى تعطيل التشكيل، ومعه إلى استمرار الشلل في الدولة أكثر من أربعة أشهر، ظل خلالها الرئيس المكلف يواصل مساعيه مع كل الفرقاء لحملها على تقديم التنازلات التي تجعل رئيس الجمهورية يوافق على التشكيلة الحكومية ويوفر على البلاد المزيد من المخاطر المحدقة به ولا سيما على الصعيد الاقتصادي والمالي اللذين وصلا بشهادة البنك الدولي إلى حافة الهاوية، إلى ان توصل الرئيس المكلف إلى التشكيلة التي يرضى عنها رئيس الجمهورية بعدما قدم حليفاه الأساسيات رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ورئيس القوات اللبنانية كل التسهيلات المطلوبة لإرضاء رئيس الجمهورية.
إلا أن الرياح لم تجر كما يشتهي رئيس الجمهورية والرئيس المكلف الذي قام بكل ما يتوجّب عليه، بحيث اصطدمت التشكيلة برفض حليف رئيس الجمهورية حزب الله إعطاء أسماء وزرائه الثلاثة الا بعد أن يوافق الرئيسان على توزير أحد النواب السنة الستة المحسوبين على النظام السوري من حصة الرئيس المكلف ما أدى إلى تريث رئيس الجمهورية في إصدار مرسوم تأليف الحكومة، وطي هذه الصفحة المرة على لبنان وعلى جميع اللبنانيين، وعادت الأزمة الوزارية إلى نقطة الصفر بل إلى ما قبل نقطة الصفر، وصار حلها عند رئيس الجمهورية وحده دون سواه، لأن المطلوب هو ان يتنازل عن حصته في الوزير السني لمصلحة النواب السنة الستة وينهي بذلك الإشكالية أوالعقدة التي وضعها حليفه حزب الله، لأنه من غير المنطقي ولا المعقول أو المقبول ان تؤخذ من حصة الرئيس المكلف، وبدلاً أن يُبادر رئيس الجمهورية ويتخلى عن الوزير السني من أصل أحد عشر وزيراً التي تشكّل حصته في الحكومة، سكت على الأمر، إلى ان تفاقمت الأزمة الحكومية على ما هي عليه اليوم، فلم يجد حلاً لها سوى اتهام الرئيس المكلف بالمماطلة أو باللامبالاة ثم يُهدّد بتوجيه رسالة إلى المجلس النيابي ليأخذ الإجراءات اللازمة، وكأنه يُهدّد الرئيس المكلف بسحب التكليف النيابي منه خلافاً للميثاقية ولاتفاقية الطائف والدستور التي لم يُحدّد أي مهلة للرئيس المكلف ولم يعط مجلس النواب أي صلاحية في سحب التكليف بدلاً من أن يتذكر ان المشكلة في ملعبه هو وليس في ملعب الرئيس المكلف ومثله الحل المنشود للخروج من الأزمة المتفاقمة، ويكون الحل بأن يتخلّى عن الثلث المعطل بتخليه عن الوزير السني الحادي عشر لمصلحة النواب السنة الستة لا بأن يُهدّد بخرق الدستور والانقلاب على الطائف.