للتذكير فقط، لم يتردد رئيس مجلس النواب نبيه بري في سرد رواية التشكيلة الموسّعة أمام النواب الذين التقاهم الأربعاء، شارحاً بالتفصيل المُمل كيف ولدت يوم الاحتفال بعيد الاستقلال وكيف وئِدَت بعد أقل من 24 ساعة على يد رئيس تيار «المستقبل» الذي أبلغ الى رئيسَي الجمهورية والحكومة أنه لن يوقّع بيديه مرسوم تعيين وزير علوي مهما كلّف الأمر، وهو الذي يصفه بـ«الوزير الشيعي السابع».
هكذا، بَدا مستغرباً استعجال رئيس الجمهورية لتخطي حاجز العقدة السنية التي لا تزال تحول دون إبصار الحكومة الجديدة النور، ولو كَلّفه الأمر العودة إلى مجلس النواب، بصفته «أم السلطات»، في سبيل الخروج من عنق الزجاجة، محاولاً مرة جديدة استخدام وسائل غير تقليدية في معركته الحكومية.
واذا كان البيان التوضيحي، الصادر عن رئاسة الجمهورية أمس، قصدَ التخفيف من وطأة الكلام الذي أدلى به عون أمام «اللقاء الديموقراطي»، إلّا أنّ مضمون اللقاء المسائي الذي جمع الحريري بباسيل في «بيت الوسط»، لم يكن أفضل حالاً، أو أقل حدة... لا بل يوصِل إلى الطاحونة ذاتها.
إذ تُفيد شخصية وزارية لصيقة بمشاورات التأليف، أنّ باسيل أعاد طرح صيغة الـ32 وزيراً وقدّمها بمثابة «آخر الدواء» الذي لا بدّ منه لكَيّ «العَطب» الحكومي، مع أنّه يعرف مسبقاً موقف الحريري الرافض هذا الطرح.
لا بل أكثر من ذلك، يُدرك وزير الخارجية أنّ فكرة تضمين الكتلة الحريرية وزيراً علوياً مرفوضة أساساً لدى حلفائه، قبل غيرهم ولاعتبارات جمّة. ولهذا حاول «التحايل» على هذا الحاجز من خلال طرح فكرة المبادلة بين الحريري ورئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي الذي تضمّ كتلته النيابية نائباً علوياً، ويمكن بالتالي أن تتمثل بوزير علوي، على أن يبقى الوزير السني من حصّة رئيس الحكومة، فيتولى تسمية ممثل عن النواب السنة المستقلين بعد استرداد الوزير السني من الرئاسة الأولى.
إلّا أنّ ردّ الحريري كان قاطعاً برفض أي طرح يستند إلى عامل من اثنين: لا لتوسيع الحكومة وهذا ما حسمه في بيانه أمس، ولا لاقتطاع وزير من حصته لمصلحة خصومه. وفي النتيجة، عادت الأزمة الحكومية إلى مكانها.
وتضيف الشخصية الوزارية نفسها أنّ الحريري لا يزال محصّناً بدرع ممانعته، وهو مقتنع كلياً أنّ السبيل الوحيد لإنقاذ حكومته، هو من خلال «تبرّع» الكتلة «العونية» من حسابها الوزاري، خصوصاً أنّها الأكبر عدداً بين نظيراتها، ويمكن أن تضحّي بـ«وزير مُنقذ» قادر على حلّ الأزمة الحكومية.
عملياً، ليست المرة الأولى التي «يتواجه» فيها رئيسا الجمهورية والحكومة بالبيانات المفنّدة لصلاحيات كل منهما، وسبق لهما أن تَساجلا بالواسطة، لكنها المرة الأولى التي تعبّر فيها الرئاسة الأولى عن انزعاجها من رحلات رئيس الحكومة الخارجية.
وفيما اكتفى الحريري، أمس، بالتذكير بالصلاحيات التي أودعه إيّاها الدستور، أعاد تأكيد تمسّكه بقواعد التسوية الرئاسية التي انطلقت مع انتخاب الرئيس، ليثبت أنّه حريص على ضبط سقف تصعيده مُحاذراً ملامسة الخطوط الحمر أو المربعات المقفلة التي لا عودة منها.
وتؤكد الشخصية الوزارية نفسها أنّ الحريري مطمئن إلى أنّ «الفورة» الرئاسية لا تستهدفه، ولا تخفي مشروعاً انقلابياً ضده يُراد منه إحراجه لإخراجه. لا رئيس الجمهورية ولا حتى حلفاءه في صدد قيادة سيناريو انقلابي، لا بل أنّ في جعبة الحريري ما يكفي من المعطيات التي تسمح له بدوزنة تصعيده، خصوصاً أنّ «حزب الله» سبق وأبلغَ إليه قبل مدة أنه متمسّك بـ«السيبة» الرئاسية، والتي يشكل تيار «المستقبل» ركناً أساسياً فيها. ولذا، هو لا يخشى تعرّضه لضغط جدي من «حزب الله» لدفعه الى الاعتذار أو الانكسار.
أكثر من ذلك، تجزم الشخصية الوزارية أنّ «حزب الله» مستعجل أكثر من غيره لتأليف الحكومة، إذ تَقصّدت كتلة «الوفاء للمقاومة» الإشارة في بيانها يوم الخميس الفائت إلى أنّ «مصلحة البلاد تقتضي انفتاحاً وواقعية لتشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن، يتمثّل فيها كل من له حق التمثيل، ويتحمّل فيها جميع المشاركين مسؤولياتهم الوطنية في إدارة شؤون البلاد والمواطنين».
وتشير الشخصية إلى أنّ الأزمة الحكومية محلية بامتياز، نافية وجود أيّ اعتبار خارجي من شأنه أن يخلق عقدة جديدة فيما لو حلّت العقدة السنية، كما يتخوّف البعض.
وبالتالي، إنّ معالجة هذه الأزمة من شأنها أن تُعجّل مراسيم ولادة الحكومة. وتضيف أنّ الحلول الوسطية ليست مستبعدة أبداً، ويمكن أن تكون مربّعاً تفاهمياً إذا ما تم الاتفاق على المبدأ، خصوصاً أنّ بعض نواب «اللقاء التشاوري» باتوا يميلون الى التفاهم، ولو على إسم من خارج النواب الستة.
وتؤكد أنّ «الحزب» مؤيّد أي قرار قد يتوصّل اليه النواب الستة، فيما لو تمّ إقناعهم أنه لا بدّ من تسوية وسطية تنقذ الحكومة.
وتجزم الشخصية نفسها بأنّ المساعي التي قام بها «حزب الله» لتطويق أحداث بلدة «الجاهلية» وما تلاها، هي دليل إضافي الى حرصه على عدم استثمار تلك الواقعة الأمنية في السياسة.