تُشكّلُ مسألة تلوّث اللّيطاني في لبنان، مشكلة بيئيّة قديمة عانى منها لبنان منذ عقودٍ من الزمن
يُعتبرُ نهر اللّيطاني صورة مُصغّرة عن الأزمات التي يمرُّ فيها لبنان، فهو أكثر الأنهار الملوّثة في المنطقة لاسيّما وأنّه أصبح معملًا لفرز النفايات، محطّة تكرير ومخيّمًا للنازحين حتى أنّه يُعدّ اليوم قنبلة بيولوجيّة موقوتة. اليوم، يموت في حوض اللّيطاني ثلاثة أشخاص بالسرطان من أصل كلّ خمس وفيات بسبب المواد المُسرطنة المُتجمّعة فيه، وفق الدراسات التي نُشِرَت في الصحف العالميّة.
ويُعد نهر اللّيطاني بمثابة نبض الحياة لكافة الأراضي اللّبنانيّة، إن كان في حوضه أوّ للمستهلكين من منتجاته وإقتصاده وصحّة أهله وسكّانه، فهو أعطى أغنى اللّبنانيّين بثروته إلّا أنّهم قدّموا له الصرف الصحّي والصناعي القاتليّن.
أما المُشكلة التي تكمنُ هي أنّه أقيم شبكات للصرف الصحّي من دون محطات تكرير، وإستغرق في تنفيذها منذ أوائل التسعينات حتى هذا العام، تاريخ البدء بتفعيل إنشائها وتشغيلها، 28 عاماً من ترك الصرف الصحّيّ والنفايات الصناعيّة تصبُّ في النهر من دون أيّ معالجة.
وبحسب الدراسات الدّوليّة إن نهر اللّيطاني ليس على مشارف أزمة، بل بات حقّاً كارثة حقيقية وعلى الدّولة المساعدة الفوريّة وإطلاق خطّة عاجلة، من هُنا تُطرحُ الكثير من الأسئلة أبرزها: "أليس هناك جهّة يُمكنها وقف تلويث النهر والبيئة؟ أو أن تأخذ قرارًا بتوقيف المؤسّسات الملوّثة؟"
إقرأ أيضًا: بيروت تتزيّن بزينة الميلاد
وتُشكّلُ مسألة تلوّث اللّيطاني في لبنان، مشكلة بيئيّة قديمة عانى منها لبنان منذ عقودٍ من الزمن. لكنّ العنصر الطارئ في السنوات الماضية، تمثّل في الكثافة السكانيّة الهائلة التي سبّبها النزوح السوريّ بالإضافة إلى الدور السلبي للمصانع الكيميائيّة والغذائيّة والمخلّفات الطبيّة والمبيدات الحشريّة والزراعيّة التي تهدّد المياه الجوفيّة.
وفي ظلّ إنتشار خيم النزوح السوريّ على طول نهر اللّيطاني من البقاع إلى الجنوب والإهمال الواضح لإيجاد طرق أرسلت المصلحة اللّيطاني كتاباً إلى مفوضيّة اللاجئين يتضمّن جدول مخيّمات النزوح في الحوض الأعلى للنهر أي في البقاع كذلك البيساريّة في الجنوب حيث تصبّ مخلّفات سكّان المخيّمات من الصرف الصحّيّ مباشرةً في النهر وإرتكازًا على ذلك: عادت المصلحة لتُشدّد على رفضها إقامة التجمّعات، كذلك أشارت الى عدم صلاحيّة بيئة النهر للسكن بجواره، رافضةً تحويل مياه الصرف الصحّيّ إلى النهر وأخطر ما جاء في الكتاب هو إقدام المتعهّدين المكلّفين من قبل المفوضيّة بالتخلّص عبر صهاريجهم من مخلّفات المخيمات ورميها في النهر.
وتلقّت المفوضيّة الرسالة ، في المقابل مصلحة مياه الليطاني التي تعمل تحت وصاية وزارة الطاقة والمياه تنتظر جواباً تماماً كما ينتظر هؤلاء النازحون المفوضية لتحمّل مسؤوليّاتها إتجاهَهم وتوفير بيئة سليمة لهم.
وتخطّى تلوث اللّيطاني كلّ الخطوط الحمراء، إذ إن نسبة العكر في المياه التي لا يجبُ أن تتجاوز 3 في المئة كحدٍّ أقصى، وصلت في اللّيطاني إلى 37 في المئة. في حين نسبة الكوليفورن التي لا يجب أن تتجاوز نسبتها 10 أمتار مكعّب، وصلت إلى 1000 نقطة مشكّلةً رقماً جنونيّاً. ويعودُ ذلك في ظلّ قلّة كميّة الأمطار وتراجع المتساقطات، ما يُرغمُ بعض المزارعين إلى الإعتماد على الصرف الصحّي لريّ المزروعات والبساتين، بدلاً من المياه النظيفة.
ولمُعالجة مشكلة الصرف الصحّيّ في مناطق النزوح السوري حيث تفرغ المياه الآسنة مباشرةً في اللّيطاني، لا بدّ من الرقابة على المخلّفات الصناعيّة والطبّيّة.وعن المبيدات الحشريّة التي يستخدمها المزارعون عشوائيّاً، من الواجب إستخدام الطرق العلميّة المدروسة أو إنتقاء أنواع المبيدات الأقلّ ضرراً على البيئة للحدّ من نسب التلوّث.
و أبرز توصيات مصلحة اللّيطاني ولجنة الإدارة والعدل:
1-المباشرة فورا بإزالة التعديات عن نهر الليطاني والمتمثلة بـالصرف الصناعي والصرف الصحي والمزابل ومخيمات النازحين السوريين.
2- تنفيذ القانون /2016/63 وتنفيذ شبكات الصرف الصحي وتشغيل المحطات وفق المعايير السليمة المطابقة للمواصفات.
3-إيجاد حلول في كل البلدات لناحية المباشرة فورا إلى إقامة أراضي رطبة، وهي مؤقتة ومستدامة لمعالجة الصرف الصحي وبديلة عن محطات التكرير، كما هو موجود في خربة قنافار أو استحداث حفر الترقيد لتكرير الصرف الصحي بكلفة لا تتجاوز آلاف الدولارات.
4- تسريع تنفيذ محطات التكرير وكل تمديداتها وإنشاءاتها حتى إن اضطر مجلس الإنماء والإعمار إلى توظيف فريقين بدوامين.
5- إزالة التعديات على استملاكات مصلحة الليطاني بصورة قاطعة
6-تزويد مؤسسات المياه ومصالحها في البقاع والجنوب بالإمكانيات المالية والبشرية لإدارة المحطات وتشغيلها.
7- إبعاد مخيمات النازحين السوريين عن مجرى النهر، وتمديد محطة التكرير لكل مخيم.
8-ضبط تلوث المصانع الملوثة وإلزامها بتكرير نفاياتها قبل تحويلها إلى شبكات الصرف الصحي.
9-حل مشكلة النفايات الصلبة والمكبات على مجرى النهر، وأهمها النفايات الطبية العائدة للمستشفيات وإلزامها بمعالجتها بطريقة سليمة.
10- تفريغ عدد من النواب العامين البيئيين حيث ينص قرار مجلس الوزراء على وجود 14 نائب عام بيئي في لبنان . والبقاع والجنوب وحدهما بحاجة لـِ 4 نواب عامين بيئيين ينصرفون لقضايا الليطاني والبيئة.
معامل كيميائيّة، كثافة سكّانية متفاقمة، نزوح سوريّ، أطنان نفايات عشوائيّة، بنى تحتيّة رديئة، ضعفٌ في دفق المجاري، وريّ مزروعات من الصرف الصحيّ وسياحة نهريّة غائبة. إنّه إختصارٌ لواقع نهر اللّيطاني!