أخفق رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي الثلاثاء، في تمرير باقي تشكيلته الوزارية أمام البرلمان، بسبب الخلافات العميقة بين الكتل السياسية حول المرشحين.
وبدأ التعثّر في استكمال تشكيل الحكومة العراقية المنقوصة من ثماني حقائب، بينها حقيبتا الدفاع والداخلية، يتحوّل إلى مأزق سياسي، ويعمّق حالة التشاؤم التي حلّت محلّ الآمال الضئيلة التي رافقت الانتقال من حكومة حيدر العبادي إلى حكومة عبدالمهدي، وغذتها شعارات المهنية والاستقلالية وتجاوز المحاصصة في اختيار الوزراء التي رفعها العديد من السياسيين، وهي الشعارات التي سقطت سريعا باحتدام الصراع مجدّدا على المناصب الوزارية.
ويجري الصراع في ظلّ أوضاع معقّدة يعيشها العراق المطالَب من قبل الولايات المتحدة بتنفيذ العقوبات على إيران بما ينطوي عليه ذلك من أعباء اقتصادية، بينما يتابع الشارع بانتباه حركة السياسيين ويتحفّز للاحتجاج على الأوضاع الاجتماعية الصعبة.
وتحذّر دوائر سياسية من أنّ أزمة استكمال تشكيل الحكومة يمكن أن تتوسّع وتهدّد الاستقرار الهشّ في العراق، خصوصا إذا بادر عادل عبدالمهدي إلى تقديم استقالته، وهي الخطوة التي ستكون لها أصداء واسعة في الشارع العراقي الممتعض من صراعات السياسيين على مكاسب حزبية وشخصية ضيّقة.
وقالت مصادر عراقية، إن عبدالمهدي شوهد، الثلاثاء، وهو يغادر مبنى البرلمان غاضبا، مؤكّدة أنّه تعرّض لضغط شديد كي لا يغيّر اسم المرشّح لوزارة الداخلية، ويتقدّم بمرشّح بديل عن فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي والمرفوض بشكل مطلق من التيار الصدري.
واستبق الصدر، جلسة الثلاثاء البرلمانية، بتوجيه رسالة إلى عادل عبدالمهدي حثّه فيها على “عدم الانصياع إلى ما يجري خلف الكواليس من تقاسم للمناصب”، واعتبر في رسالته “أن القادة الشجعان الذين حرروا الأراضي من سيطرة تنظيم داعش هم الأولى بشغل حقيبتي الدفاع والداخلية”، في إشارة إلى رفض المرشّح الشيعي لمنصب وزير الداخلية والمرشّحين السنّة لمنصب وزير الدفاع.
وانتقد النائب عن تيار الحكمة علي البديري رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي بشأن عدم قدرته على تقديم مرشّحين بدلاء عن مرشّحي الكتل السياسية المتصارعة، ووصفه بـ”الشخص المسيّر الذي لا يمتلك قراره”، مشيرا إلى “فرض أسماء معينة للوزارات المتبقية”.
وقال في مؤتمر صحافي عقده بمبنى البرلمان إنّ على عبدالمهدي أن يأتي بأكثر من مرشح للوزارات وأن يختار شخصيات مهنية.وأرجأت رئاسة البرلمان العراقي جلسة التصويت على المرشحين إلى يوم غد الخميس، إثر فشل انعقاد جلسة الثلاثاء لعدة مرات نتيجة عدم اكتمال النصاب القانوني، حيث لم يتجاوز عدد النواب الحاضرين 165 نائبا من أصل 329 هم إجمالي عدد النواب.
وقبل قدومه إلى البرلمان صباح الثلاثاء، لمّح عبدالمهدي إلى عدم توافق الكتل السياسية على مرشحي الوزارات المتبقية، وقال في رسالة موجهة لأعضاء البرلمان “حاولنا الجمع بين الممكن، ونيل ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب من جهة، ومن جهة أخرى الاقتراب ما أمكن من المنطلقات المعتمدة في ظروف معقدة وتجاذبات حادة”.
وأضاف “لم يعد بالإمكان الانتظار أطول، وسنترك العملية الديمقراطية لتأخذ مجراها وتحسم الخلافات”.
وسادت الفوضى جلسة البرلمان وسط مشادات كلامية حادة بين أعضاء التيارين المتنافسين؛ تحالف الإصلاح والإعمار المدعوم من الصدر، وتحالف البناء بقيادة هادي العامري المقرّب من إيران.
وقدم عبدالمهدي مرشحيه للوزارات الثماني المتبقية، وهم: فالح الفياض للداخلية، وفيصل الجربا للدفاع، والقاضي دارا نورالدين للعدل، وصبا الطائي للتربية، وقصي السهيل للتعليم العالي والبحث العلمي، وعبدالأمير الحمداني للثقافة، ونوري الدليمي للتخطيط، وهناء كوركيس للهجرة والمهجّرين، لكن لم يتم التصويت عليهم.
ويدور الصراع السياسي في العراق في ظلّ أجواء اجتماعية مشحونة جعلت مشاركين في العملية السياسية يحذّرون من انهيارها تحت وقع ثورة شعبية تلوح بوادرها في احتجاجات الشارع.
واستدعت دقّة الظرف، مؤخّرا، ظهور المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني الذي يستبقي مسافة بينه وبين الحياة السياسية، ولا يظهر في العلن إلا نادرا.
وقال السيستاني لدى استقباله في النجف رئيس بعثة الأمم المتحدة للعراق يان كوبيتش، إنه ينتظر ليرى تحقيق تقدم بعد تولي رئيس الوزراء الجديد عادل عبدالمهدي لمنصبه، معتبرا أنّ “أمام الحكومة الجديدة مهام كبيرة.. ولا سيما في مجال مكافحة الفساد وتوفير فرص العمل للعاطلين وإعمار المناطق المتضررة بالحرب وإعادة النازحين إلى مناطق سكناهم بصورة لائقة وتوفير الخدمات الضرورية للمواطنين بالشكل المناسب”.
ولا يبدو العراق بصدد تحقيق أي تقدّم ملموس في معالجة مختلف تلك الملفات والقضايا، وهو ما يثير غضب الشارع الذي يبدو في طور الاستعداد لجولة احتجاجات أعنف من تلك التي شهدتها مدن جنوب البلاد خلال الأشهر الماضية.
واستلهم محتجّون عراقيون حركة الاحتجاج الجارية في فرنسا، وتجمّع عدد من الشبان المرتدين لسترات صفراء، الثلاثاء أمام مقرّ الحكومة المحلية بالبصرة، مطالبين بالوظائف وتحسين الخدمات ومندّدين بالفساد الحكومي. وحاولوا اقتحام المبنى ما جعل القوات الأمنية تتصدّى لهم بإطلاق الرصاص في الهواء.