مصدر أمني: المعطيات تشير إلى مقتل مرافقه بنار صديقة
 

تفاعلت تداعيات ملاحقة الوزير الأسبق وئام وهّاب، قضائياً وأمنياً، خصوصاً بعد حادثة بلدة الجاهلية (جبل لبنان) التي نجم عنها مقتل محمد أبو ذياب، وهو أحد مرافقي وهّاب.

وأكد مرجع قضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن «حادث (الجاهلية) لن يوقف الملاحقة القضائية للوزير الأسبق، وأن إحضاره إلى القضاء سيحصل الأسبوع المقبل، بعد انتهاء مراسم تقبّل العزاء بالمغدور أبو ذياب (التي تنتهي مساء الأحد)». في وقت فتح القضاء العسكري تحقيقاً منفصلاً لتحديد هوية من أطلق الرصاصة التي أدت إلى مقتل مرافق وهّاب.

وكشف المرجع القضائي، الذي رفض ذكر اسمه، أن «تحقيقاً آخر سيفتح بما خصّ التعدّي على القوة الأمنية التي كلّفت بتنفيذ مذكرة إحضار وهاب إلى القضاء، وإطلاق النار باتجاهها»، مشيراً إلى أن «أكثر من خمسة آلاف رصاصة أُطلقت من المسلحين التابعين لوهاب ومن كلّ الاتجاهات فوق رؤوس العناصر الأمنية»، لافتاً إلى أن النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود «أوقف تنفيذ مذكرة الإحضار بحق وهاب، وأمر القوة الأمنية بالانسحاب حتى لا يتعرّض ضباطها وعناصرها للقتل، ولتلافي مجزرة كان يمكن أن تقع في حال وقعت مواجهة مسلّحة».

وكان محامون من تيّار «المستقبل» تقدّموا بدعوى قضائية ضدّ وهاب بجرائم القدح والذم والتحقير بحق رئيس الحكومة المكلّف ووالده رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية وتعريض السلم الأهلي للخطر، فقرر القاضي حمود إحالة هذه الشكوى إلى شعبة المعلومات، واستدعاء وهاب والتحقيق معه، لكنّ الأخير ورغم تبلغه ضرورة الحضور إلى مقرّ شعبة المعلومات بواسطة مختار بلدة الجاهلية وأحد المقربين منه، رفض الامتثال والحضور، ما استدعى تكليف قوّة أمنية بإحضاره بالقوّة.

في هذا الوقت باشرت النيابة العامة العسكرية تحقيقاتها في حادثة مقتل أبو ذياب، وأكد المرجع القضائي أن مفوّض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي «كلّف قسم الأدلة الجنائية التابع للشرطة القضائية في قوى الأمن الداخلي، الكشف على المكان الذي أصيب فيه الضحية، وتحديد الموقع الذي أطلقت منه الرصاصة التي أصابته في خاصرته، وأدت إلى وفاته جراء نزيف حاد بأمعائه». وأكد أن «القضاء العسكري سيباشر التحقيق في موضوع إطلاق النار الكثيف على الدورية الأمنية، وتعريض حياة ضباطها وعناصرها للخطر، وتوقيف كلّ من يثبت تورطه بإطلاق النار ومن أعطى الأمر بذلك».

وفي موازاة الدعوى المقامة ضدّ وهاب، حضر وكيله القانوني المحامي معن الأسعد إلى قصر العدل في بيروت، لتقديم دعوى قضائية ضدّ النائب العام التمييزي، وطلب تنحيته عن النظر في هذا الملفّ. وعبّر الأسعد عن أسفه لأن «السلطة السياسية وضعتنا في مواجهة رجل مشهود له بالكفاءة والنزاهة وهو القاضي حمود، ومارست الضغوط عليه لارتكاب هذا الخطأ وإصدار مذكرة إحضار بحق الوزير وهاب». وقال الأسعد في تصريح له لدى مغادرة قصر العدل، «لقد تقدّمت بثلاث مراجعات؛ الأولى طلبت فيها من محكمة التمييز تنحية القاضي حمود عن النظر في هذه القضية (الدعوى المقامة ضدّ وهاب)، والثانية نقل الدعوى إلى محكمة المطبوعات، والثالثة تقدمت بشكوى ضدّ القاضي حمود أمام هيئة التفتيش القضائي على خلفية إصداره مذكرة الإحضار والتسبب بالأحداث التي وقعت، التي كادت تؤدي إلى مجزرة حقيقية». وأعلن أنه في الأيام المقبلة سيتقدم بمزيد من الدعاوى ضدّ بعض الأشخاص.

وانتقلت، أمس، دورية تابعة لقسم الأدلة الجنائية إلى بلدة الجاهلية، وباشرت تحقيقاتها ومعاينة الموقع الذي أصيب فيه المجني عليه، وتضاربت المعلومات التي قدمها وئام وهاب حول مقتل مرافقه، والتي اتهم فيها أحد عناصر شعبة المعلومات بإطلاق النار عليه من بندقية «قنّاصة» نوع M16»»، وهذا النوع من السلاح لا يتوفر إلا مع عناصر قوى الأمن، وأكد بيان المديرية العامة للأمن الداخلي، أن أبو ذياب قُتل برصاص زملائه. وأعلن مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط»، أن «الدليل شبه قاطع على أن مرافق وهاب قتل بنيران صديقة، بدليل أن الضحية كان يقف على شرفة في الطابق الثاني لمنزل ملاصق لقصر وئام وهاب، وأن الرصاصة أصابته من أعلى إلى أسفل، بينما كانت عناصر القوة الأمنية على الأرض، ولو أنه قُتل برصاص العناصر الأمنية لكانت الرصاصة اخترقت صدره من الأسفل إلى الأعلى». وسأل المصدر الأمني: «هل يعقل أن يصاب شخصٌ ويُنقل من (الجاهلية) في جبل لبنان إلى مستشفى (الرسول الأعظم) تحديداً لأنها تابعة لـ(حزب الله)، وعند وفاته ينقل فوراً إلى بلدته ويوارى الثرى، من دون أن تكشف عليه الأدلة الجنائية، ولجنة طبية متخصصة؟». ورأى أن «الغرض من هذا الاستعجال، هو طمس الحقيقة، والتغطية على القاتل الحقيقي، واتهام الجهاز الأمني الذي كان ينفّذ مهمّة جلب وهاب، ليغطّي الأخير على قضية ملاحقته».

وتسلّم القضاء، أمس، تقرير الطبيب الشرعي حسين شحرور، الذي عاين جثّة الضحية في مستشفى «الرسول الأعظم» في ضاحية بيروت الجنوبية، وأوضح الدكتور شحرور أن مهمته طبيباً شرعياً ليست تحديد هوية من أطلق النار على الضحية، بل تحديد أسباب الوفاة ونوع الرصاصة التي قُتل بها، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لقد أخرجت الرصاصة من جسم المجني عليه، وسلّمتها إلى الأدلة الجنائية التي تتولى التحقيق»، مشيراً إلى أن الرصاصة «أصابت الضحية فوق منتصف الخاسرة اليمنى، وتحت الثدي بـ13 سم، وهي أتت من أعلى قليلاً نحو الأسفل واستقرت خلف الكبد، وتسببت له بنزيف حاد، وهذا الأمر سيكون واضحاً للقاضي الذي يضع يده على التحقيق»، مؤكداً أن «قطعة من نسيج الكبد رست في الحوض».

وانتقد «حزب الله» طريقة تبليغ السلطات اللبنانية للوزير الأسبق وئام وهاب بالاستدعاء القضائي، قائلاً إن هدفها «لم يكن التبليغ؛ بل كان هدفها أكبر من ذلك، وكان القرار خاطئاً، ويمكن أن يؤدي إلى فتنة»، جاء ذلك خلال زيارة قام بها وفد من الحزب لتقديم التعازي لوهاب بمقتل مرافقه، وهي مهمة قام بها أيضاً وفد من التيار الوطني الحر، برئاسة وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال، طارق الخطيب.

وقال الخطيب خلال زيارة التعزية لوهاب: «نأمل أن يتم تجاوز كل ما من شأنه أن يؤدي إلى توتير الوضع». وتابع: «حملنا رسالة تعزية من الوزير باسيل، ولمسنا استياء من أهالي الجاهلية، من التعاطي الذي حصل في الحادثة الأخيرة، وعلينا تحكيم صوت العقل لتجنب الأسوأ». وأضاف الخطيب: «تحصل أحياناً أخطاء غير مقصودة تقود لإشكالات، وعلينا الاحتكام للقضاء».

وكان نائب رئيس المجلس السياسي لـ«حزب الله» محمود قماطي، قد ترأس وفد الحزب لتقديم واجب العزاء. وركز قماطي على أن «ما حصل في الجاهلية، وهذه القوة التي جاءت بهذه الطريقة، وهذا التسليح والحجم، لم يكن هدفها التبليغ؛ بل كان هدفها أكبر من ذلك، وكان القرار خاطئاً، ويمكن أن يؤدي إلى فتنة، ولو أن من اتخذه ربما لم يكن يقصد أن تحصل فتنة»، منوهاً إلى أن «هذا الفعل هو موضع تشكيك، حول النية والأهداف منه».

وقال إن «القضاء ينبغي أن يبقى خارج التسييس، كما ينبغي أن تكون الأجهزة الأمنية بعيدة عن الكيدية السياسية»، مضيفاً: «لن نتدخل في مواقف حلفائنا، وكل حليف له الحرية في التعبير عن مواقفه، بغض النظر إذا كنا نؤيده في هذا الموقف أو لا»، مشيراً إلى أن «ما قمنا به في الأمس من جهد وتواصل مع المعنيين في هذا البلد، كنا نعمل بكل قوة لوأد الفتنة». ودعا الجهات المعنية كافة إلى «التعاون والعمل على قاعدة حفظ البلد وحمايته وحماية الاستقرار فيه، وأننا نتبنى تحقيقاً نزيهاً شفافاً» لكشف المسؤول عن مقتل مرافق وهاب، محمد أبو ذياب.