نجحت الاتصالات التي نشطت على أعلى مستوى خلال الساعات الماضية في احتواء التصعيد الخطير الذي بلغ مداه مساء السبت في بلدة الجاهلية في جبل لبنان، وأدى إلى مقتل أحد مساعدي رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب، بيد أن هذا التصعيد خلّف ظلالا قاتمة على الوضع السياسي اللبناني المكفهر بطبعه.
وتقول أوساط سياسية لبنانية إن أي طرف غير قادر على تحمل تبعات انفجار أمني في البلاد في ظل الوضع المأزوم إقليميا، وهذا ما تعكسه الدعوات للتهدئة وتحكيم العقل التي صدرت من العديد من الجهات السياسية.
وتشير هذه الأوساط إلى أن حزب الله نفسه الذي يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية عن التصعيد الخطير، لعب دورا في إعادة ضبط الوضع أمنيا عبر مطالبته السياسي الدرزي وئام وهاب بتخفيف حدة تصريحاته، لأنه يدرك أن وقوع “المحظور” لن يكون في صالحه.
وتغمز العديد من الأطراف إلى أن حزب الله والنظام السوري خلف التصعيد الذي بدأه رئيس حزب التوحيد العربي مطلع الأسبوع الماضي حينما وجه إساءات طالت شخص رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري ووالده الشهيد الراحل رفيق الحريري، ليتمادى وهاب بغطاء من الحزب في تصعيده بالقيام باستعراض مسلح وصل بلدة المختارة معقل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، المعروف عنه معارضته الشديدة لنظام الرئيس بشار الأسد وسبق وأن وصف النواب السنّة الذي يطالب حزب الله بتشريكهم في الحكومة الجديدة بـ“سنة علي مملوك” (رئيس الأمن الوطني السوري).
علي حسن خليل: الحوادث الأخيرة تقتضي منا أن نسارع إلى تشكيل حكومة وحدة
وتشير الأوساط إلى أن إقدام قوة من الأمن الداخلي اللبناني على الذهاب إلى بلدة الجاهلية مساء السبت تنفيذا لبرقية إحضار صدرت بحق وهاب على خلفية تقدم عدد من المحامين برفع قضية ضده في الإساءات لشخص رئيس الوزراء المكلف ولأحد الرموز الوطنية في لبنان (رفيق الحريري) وما نتج عنها من إطلاق نار (تم فتح تحقيق فيه) أدى إلى وفاة معاون وهاب محمد أبوذياب، دقت ناقوس الخطر في إمكانية انسياق الأمور إلى مواجهة ما دفع حزب الله مع باقي الطيف السياسي إلى إعادة تصويب الوضع أمنيا.
وتلفت الأوساط إلى أن حزب الله وإن كان معني بالدرجة الأولى بإبقاء المواجهة السياسية مفتوحة مع رئيس الوزراء المكلف لفرض وجهة نظره في تشريك أحد النواب السنة الموالين له في الحكومة، وهو السبب الرئيسي وراء تصعيده بيد أنه يدرك أن الدخول في المتاهة الأمنية في ظل الضغوط الأميركية والوضع الإقليمي العاصف ستعني وضع مصيره على “كف عفريت”.
وتستبعد أوساط مقربة من تيار المستقبل إمكانية أن تؤدي الإرباكات التي جرت إلى تغيير حزب الله موقفه باتجاه الإفراج عن التشكيل الحكومي، لافتين إلى أن أصل التصعيد هو الضغط على الرئيس الحريري للقبول بتضمين أحد السنة الموالين للحزب في الحكومة العتيدة.
وصرح نائب رئيس المجلس السياسي في حزب الله محمود قماطي، خلال زيارته الجاهلية الاثنين ضمن وفد من الحزب لتقديم العزاء بمرافق رئيس حزب التوحيد إلى أن الحزب لن يتخلى عن حلفائه، في إشارة إلى وئام وهاب وسنّة 8 آذار، ما يشي بأنه مصر على المضي قدما في تعطيل ولادة الحكومة.
ويرفض الحريري بشدة مطلب حزب الله لأنه يدرك أنه المستهدف الرئيسي منه، حيث أن الحزب يسعى إلى خلق حالة من الثنائية السنية، فضلا عن كونه يريد تعزيز سطوته داخل الحكومة وبالتالي خلق حزام سياسي حوله في ظل ما يواجهه من تحديات من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل والمجتمع الدولي عموما.
وقال وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل الاثنين إن “الحوادث الأخيرة التي حصلت، تقتضي وتفرض منا أن نسارع إلى إكمال عقدنا الدستوري، من خلال تشكيل الحكومة، ووضع كل الملفات المرتبطة بالاستقرار الأمني والسياسي، ومعالجة الشأن الاقتصادي والمالي على الطاولة، حتى نتجاوز القطوع الكبير الذي يهدد البلد واستقراره وحياة الناس فيه ومصالحها، لأنها الأساس”.
وجمدت الأحداث الأخيرة التحركات التي يقوم بها رئيس التيار الوطني جبران باسيل لإيجاد حل توافقي لعقدة سنة حزب الله، ويرجح أن تستأنف في الفترة المقبلة، وإن كانت ليست هناك آمال كبيرة تعقد عليها.