اذا كان أهل السلطة، من رسميين وسياسيين وحزبيين، قد رفعوا الصوت في عزّ أزمة تعطيل الحكومة بالتحذير والنصح، بأنّ قيامة لبنان مهدّدة، وانّ البلد لم يعد يملك ترف إهدار الوقت، فإنّ الاحداث الاخيرة، وإن كانت قد اكّدت خطر هذا المنحى، فإنّها في الوقت ذاته، وكما يقول مرجع كبير، يجب ان تُعتبر جرس إنذار مما يمكن ان يصل إليه البلد في حال استمر الفلتان السياسي على ما هو قائم عليه في هذه الايام. فالوضع الداخلي بكل مفاصله بات يتطلب مقاربات جذرية لإعادة بناء الهيكل، الذي يشكّل الملف الحكومي احد أعمدته الاساسية، علماً انّ هذه المقاربات ينبغي ان تكون مختلفة عن السياق الذي جرى اتباعه خلال أشهر التعطيل الستة، بل ينبغي ان تكون قائمة على مبادرات جدّية أساسها التنازلات المتبادلة.
وقال المرجع لـ«الجمهورية»: «ينتابني القرف مما يجري، أردنا البقاع آمناً ومستقراً لفتح الباب امام إنماء هذه المنطقة، فإذا ببعض الحالات الشاذة تُمعن في تصرفات وتحدّيات للجيش اللبناني ومحاولات إعاقة مهماته في المنطقة والاعتداء على عناصره، والغاية واضحة، إبقاء هذه المنطقة في موقع المتّهمة والمشوّهة هي واهلها جرّاء ما يرتكبه بعض الخارجين على القانون فيها».
أضاف المرجع: «وينتابني القرف من الانحدار المريع في مستوى التخاطب بين القوى السياسية، لم يعد تخاطباً سياسياً، بل صار اهانات وشتائم تنعدم فيها الاخلاق، ثمة انحدار واضح، والشعور بالمسؤولية منعدم وكل طرف يصيح ويتلطى براعيه السياسي والطائفي، ناهيك عن الارتكابات المتمادية في كل مفاصل الدولة، وليس من يسأل وليس من يُحاسب، كيف يمكن ان تخرج من هذه الدوامة؟ لا اعرف. لقد اوصلوا الدولة الى وضع معطّل الى حدّ التعفّن، ومع الأسف ما زالوا مستمرين في هذا المنحى».
وقال: «ما جرى يوجب اكثر من اي وقت مضى، ان يدرك اللبنانيون معنى الفوضى. السفارات الغربية بدأت تسألنا ما الذي يجري عندكم، ويعبّرون عن قلق على بلدنا، ونحن من جهتنا نصاب بالخجل أمامهم، ولا نعرف ماذا نقول لهم ، ولا نستطيع ان نبرّر، فكيف لا ونحن نتلهى بوزير بالزايد ووزير بالناقص، فيما الفتنة والفوضى كالماء، تجري من تحت أقدامنا ونحن لسنا عابئين بذلك».
وحذّر المرجع من أنّ «ما حصل، وإن لم يتم تداركه، سيتسبب حتماً بما هو اسوأ، وكل ذلك مؤشر خطير على عمق الأزمة السياسية في البلد، والتي تتفرّع عنها كل الأزمات الاخرى، وخصوصاً الأزمة الاقتصادية، وكذلك غياب الدولة. في الدول المحترمة أدنى حادث يؤدي الى سقوط حكومة وعهود، اما عندنا فلا سقوط الّا للدولة والوطن مع الاسف».
وبحسب المرجع، فإنّ «الفرصة متاحة اليوم لأن يعيد كل طرف حساباته، والدخول جدياً في مرحلة حسم تأليف الحكومة، واذا كانت الكرة هنا في ملعب رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف وكذلك النواب السنّة الستة ومن خلفهم «حزب الله»، فأعتقد انّ مبادرة الحل الأولى والاخيرة تبقى لدى رئيس الجمهورية. المسألة لم تعد تحتمل، صرنا في سباق خطير مع الأزمة، واقل الواجب والمسؤولية هو ان نسبقها قبل ان تسبقنا وتُسقطنا جميعاً».