"بدنا الثار... بدنا الثار".
هذه المرة، ليس من "لحود وبشار" وانما من "سعد الغدّار".
والمعنى الأبعد يشمل وليد جنبلاط تحديداً.
أيّ دقةٍ أكثر دلالة من هذا الهتّاف الذي لا يخرج عن السياق المرسوم لإعلان عودة النظام الأسدي الى ربوعنا مفخَّخاً بمزيد من الدماء المسفوكة؟!
الجواب مقرون بالسيناريو المحكم وبالتنفيذ السريع.
فقد فتحت أبواق الممانعة جبهاتها الإعلامية حتى قبل إعلان وفاة القتيل المظلوم، ولم نسمع الا كلمة "الدم"، وكأن مدفعاً يطلقها رشقاتً متواصلة في حين تم تثبيت منصات أسلحة الشحن الفتنوي الثقيلة، وكأن هذا المحور ربح اللوتو وحظي بفرصة قُدِّمت اليه على طبق من ماس، وفي التوقيت المطلوب للتعجيل في حلول أبد الآبدين وطيّ صفحة الانتظار على نية تفعيل مسيرة الاذلال للاذعان.
ما إن وقعت الواقعة، حتى كانت الجهوزية شاملة بجوانبها وأبعادها، كأنه تم تحضير الأسئلة ورصد زوايا التغطية المطلوبة وإجراء التمارين المطلوبة في موقع الحدث مسبقاً، حتى قبل سقوط محمد أبو دياب ضحية واشكالية.
فقد تمترس مراسلو الممانعة حاضرين نضرين وشرعوا في تأدية فروضهم في إطار الاستراتيجيا ذاتها، التي عهدناها منذ رسم حدود الخنادق التي يتمترس فيها مَن يتمحور دوره السياسي في تنفيذ سياسات اغتيالية لم تتغير منذ اتفاق الطائف وتولي الرئيس الشهيد رفيق الحريري الرئاسة الثالثة.
رددوا بالشعار ذاته. وفتحوا ملفات لا تختلف عما كان يُفتح للرئيس رفيق الحريري.
لوقاحتهم، لم يتورعوا عن تسديد طلقات اتهاماتهم بالقتل والفساد، وهم مشرِّعون أبواب قصورهم ومتباهون بألويتهم المسلحة وممعنون في التجييش للفتنة والتلويح بالفلتان الأمني.
لم يردعهم شيء عن مواصلة التهام اللحم النيئ لمصائب الآخرين.
وأيّ دلالة أقبح من سؤال ابنة الضحية: "انتو رح تكملوا حياتكن بلا بيّكن هلّق، شو بتحبي تقولي؟".
لم تصرخ الابنة في وجه السائلة، بل رمتها بنظرة سخط وغضب وقرف، ربما لتذكّرها بأن مَن سقط قتيلاً خسره أهله، وحدهم دون سواهم، انتهك عزاؤهم وحزنهم وانتهكت خصوصيتهم، ليصبح عصياً عليهم وداع فقيدهم كما يرغبون. فقد صودرت جثة الفقيد منذ اللحظة الأولى وتم الحظر عليها في المربّع الأمني، وابعادها عن أي احتمال للشفافية في توضيح ظروف قتلها، ، ومن ثم تحويل المأتم منبراً خصباً لاستكمال المخطط.
لا يهمّ كيف حصلت جريمة القتل ولِم صودر الفقيد لحساب البروباغندا الإعلامية.
المهم ان التقرير الشرعي الذي دعم بأدلة الرصاص الفارغ في شأن الجريمة كان، بدوره، معداً سلفاً للايفاء بالغاية المتوخاة منه لجهة الاتهامات المطلوبة.
لا يهمّ إن كان فعل القتل مدبراً للاستثمار في دم القتيل المغدور او جريمة أجهزة لم تحسب أبعاد خطوتها.
المهم ان ينقضّ أصحاب المخطط على الجثة ويستأثروا بها لاستخدامها حيث ينبغي.
تالياً، تبقى حسابات المستثمرين ربحاً خالصاً. هكذا تعوّدنا ان تجري الأمور، ويبدو انها لا تزال تجري ولا نزال نتلقى المفاعيل.
بكل أسف، لا شيء تغيّر. السيناريو كان جاهزاً. والاستدراج كان متوقعاً، هذه المرة أيضاً رُسِم المشهد على النقطة والفاصلة. و"دقّلي شاكر البرجاوي من ملتقى النهرين، وخبّرني انّو في قوى أمنية طالعة"، و"وهّاب أعلم مختار الجاهلية بأن قوة من شعبة المعلومات ستحضر إلى منزله بهدف احضاره، وطلب منه إبلاغ الضابط المسؤول عن القوة بأنه سيتوجه إلى التحقيق في شعبة المعلومات يوم الاثنين برفقة محاميه، كونه، بحسب افادة المختار، ان وهّاب كان على علم مسبق بحضور القوة الى منزله للعمل على احضاره".
بالطبع فلت الملقّ، ووقعت القوى الأمنية في المحظور، وصار "الدم" عملة صعبة وجواز مرور يبرر لجيش "التوحيد" الجرّار لجوءه الى سلاحه غير الشرعي ليحمي أمنه الخاص وعرضه وشرفه.
لا لزوم للسؤال عن مصدر السلاح المتفلت عندما يتشدق أحد أبواق الممانعة بأن كل الأحزاب اللبنانية مسلحة، وبأن مواكب سيارة لمسلحي الأحزاب أمر عادي ولا لزوم لاعتباره ظاهرة تستحق الإدانة.
الغاية من الترويج لكل الخارجين عن القانون وشرعنتهم يبقى المطلوب، حتى يصبح كُحْل "حزب الله" ارحم على اللبنانيين من عمى من يزرعهم في الحياة السياسية اللبنانية، وكلهم كما يتضح أكثر فأكثر، من القماشة ذاتها التي عرفاناها في ثمانيات القرن الماضي، في عز متاجرة النظام الأسدي بورقة الحرب اللبنانية، ليصبح مَن يحرك المليشيات السارحة خارج إطار الدولة، الحاكم الأوحد القابض على الفتنة يؤجهها عبر أبواقه متى يشاء، ويلزمهم الصمت والانكفاء متى يشاء، في ظل انكشاف كامل للعهد القوي ومَن لفّ لفّه.
وعلى قاعدة "اذا ما كبرت ما بتصغر"، تصرّف القابض الحقيقي والوحيد والأوحد على لبنان، فكبّرها في الجاهلية، ليبقى السؤال: كيف سيصغِّرها؟
قد يكون الحل عبر التوزير بالدم؟