لم يكن ينقص اللبنانيون سوى إهتزاز الأمن حتى تكتمل صورة ″الخراب″ التي ترخي بثقلها على لبنان الذي بات أشبه بـ″حارة كل مين إيدو إلو″، والمقسّمة الى سلسلة مربعات أمنية لا يستطيع أحد التجول فيها من دون تأشيرة دخول، والرازحة تحت أعباء الديون والفساد والهدر والسمسرات والسرقات والمحسوبيات والعنتريات التي تهدد صيغة ونظام وهيكل البلد برمته، في وقت ما تزال فيه الحكومة أسيرة الصراعات والتجاذبات والمصالح على مقعد وزاري بالزائد لهذا الفريق أو ذاك.
حبس اللبنانيون أنفاسهم يوم أمس خلال تشييع مرافق الوزير السابق وئام وهاب الضحية محمد أبو ذياب في بلدة الجاهلية، والذي سقط برصاصة مجهولة المصدر، خلال التوترات التي رافقت حضور قوة كبيرة من فرع المعلومات الى البلدة لتسليم وهاب مذكرة للمثول أمام القضاء أو لاحضاره بتهمة القدح والذم بحق الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونجله الرئيس سعد الحريري، وذلك خوفا من فتنة قد تحصل من شأنها أن تطيح بالأمن الذي لم يعد يملك اللبنانيون غيره في وطن يترنح، بات على ″كف عفريت″ في كل تفاصيل حياة أبنائه.
يمكن القول إن عاصفة سياسية ـ أمنية ضربت لبنان، كادت أن تحرق الأخضر واليابس أقله في منطقة الجبل، لكن يبدو أن المعنيين تمكنوا من إحتواء تداعيات وآثار هذه العاصفة، وعرفوا كيف يتعاملون معها، حيث ساد الهدوء بلدة الجاهلية التي لم تشهد إطلاق أية رصاصة خلال تشييع إبنها أبو ذياب بالرغم من الغضب العارم الذي كان يجتاح أبناءها، فيما إحتكم الجميع الى القضاء الذي من المفترض أن يمثل أمامه وئام وهاب ربما خلال اليومين المقبلين أو بعد إنقضاء فترة الحداد وتقبل التعازي في الجاهلية، كما سيرفع وهاب عبر محاميه دعوى قضائية ضد الرئيس سعد الحريري ومدعي عام التمييز القاضي سمير حمود ومدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان بتهمة القتل العمد حيث يؤكد أن الرصاصة التي دخلت خاصرة مرافقه كان مصدرها قناص من فرع المعلومات، الأمر الذي نفته قوى الأمن الداخلي وأكدت أن إصابة أبو ذياب جاءت نتيجة إطلاق النار العشوائي من مرافقي وهاب.
والى حين إنتهاء التحقيقات الجنائية التي من المفترض أن تكشف مصدر الرصاصة ونوعها ومن أطلقها، يبدو واضحا أن الاتهامات ستبلغ ذروتها في الأيام المقبلة، حيث يرى البعض أن وئام وهاب وصل في خطابه الى أدنى مستوى لم يعهده اللبنانيون حتى في الحرب الأهلية، خصوصا لجهة الاتهامات التي ساقها بحق الرئيس سعد الحريري والاساءات الى والده الشهيد رفيق الحريري الذي يعتبر رمزا لكثير من المكونات السياسية في لبنان، وبالتالي لم يكن أمام هذا الفريق سوى التقدم بدعوى قضائية ضد وهاب الذي ضاق اللبنانيون ذرعا بمواقفه وعدم مراعاته لحرمة الشهداء.
ويلفت هؤلاء الانتباه الى أن في لبنان لا مكان للصدفة، سياسية كانت أم أمنية، وأن ما قام به فرع المعلومات من المفترض أن يكون بالتنسيق مع الأطراف المعنية التي يبدو أنها كانت مقتنعة بضرورة توجيه “صفعة” لوهاب تعيده الى رشده، وتضع حدا لخطابه السياسي الذي من شأنه أن يشعل فتنة، خصوصا أن أحدا لا يستطيع أن يحتمل إساءات كالتي وجهها وهاب الى الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لكن مجريات العملية الأمنية جاءت بعكس ما كان متوقعا، معتبرين أن سقوط الضحية محمد ابو ذياب كان في مصلحة وهاب الذي حاول حرف الأنظار عن الدعوى القضائية المرفوعة ضده الى مكان آخر، في حين أكد النائب السابق الدكتور مصطفى علوش في تصريح له ″أن من قتل محمد أبو ذياب هو وئام وهاب نفسه″.
أما البعض الآخر فيرى أنه إذا كان وهاب إرتكب خطأ بتصريحاته، فإن ما أقدمت عليه السلطات السياسية والقضائية والأمنية كان بمثابة الخطيئة، خصوصا أن الجميع يعلم حساسية الجبل وأمنه، في حين أن التهمة الموجهة الى وهاب لا تحتاج الى كل هذه القوة من المعلومات التي وصلت الى الجاهلية بشكل واضح وعلني، ما جعل أنصار وهاب يستنفرون ويقطعون الطرقات ويستعدون للمواجهة قبل وصولها الى منزله، لافتين الانتباه الى أن العناية الالهية أنقذت لبنان من قطوع أمني كبير قد نعلم كيف يبدأ لكن أحدا لا يمكن أن يتكهن بنتائجه الكارثية على البلاد والعباد.
يقول متابعون: إن أخطر ما في الأمر هو غياب صوت العقل، في وقت تلجأ فيه التيارات السياسية عند أي أزمة تواجهها إما الى الشتائم والقدح والذم، أو الى الشارع، ما يجعل البلد برمته في حفلة جنون..